جينيفر انيستون»
«أرسطو طاليس» لم يعرف شيئاً عن وظيفة الدماغ ومن جهله وصفه بأنه العضو الذي يبرد الجسم. في القرن السابع عشر تعرف الإنجليزي «توماس ويليس» على الشرايين الدماغية ولكنه لم يتعرف على الدماغ. في القرن الثامن عشر جاء العالم الإيطالي «جولجي» وبعده في القرن التاسع عشر العالم الإسباني «كاجال» ليكشفا وجود الخلية العصبية. نعرف الآن أن دماغ الإنسان يتكون من مائة بليون خلية عصبية (العصبون) بالإضافة إلى بلايين أخرى من الخلايا الداعمة (الدبقية) وظيفتها خدمة الخلايا العصبية وإيصال الأغذية والأوكسجين لها وإزالة الفضلات منها. كل خلية عصبية تتكون من جسم الخلية أو (رأس الخلية) والذي تخرج منه تفرعات عديدة مثل أغصان الشجرة ومن جسم الخلية تخرج ساق طويلة تتفرع في نهايتها الى العديد من التشعبات التي تحط رحالها على التفرعات والأغصان الموجودة على رأس خلية عصبية أخرى فينتج ما يسمى ب «المشبك» أي التشابك بين تفرعات خلية وأغصان خلية أخرى. تخرج الإشارة الكهربائية من جسم الخلية وتمشي في ساقها حتى تصل المشبك حيث يتم إفراز مواد كيماوية تسمى بالنواقل العصبية تقوم بنقل الإشارة الكهربائية من فراغ المشبك إلى جسم الخلية العصبية المجاورة. لكل خلية عصبية عشرة ألاف من التشعبات والأغصان ولو قمنا بحساب أطوال هذه التشعبات فان طولها في دماغ الإنسان الواحد يبلغ مائة ألف ميل من التشعبات (الأسلاك) أي ما يكفي للإحاطة بمحيط الكرة الأرضية. كان السؤال سابقاً هل تحط تشعبات خلية عصبية على أغصان خلية عصبية أخرى عشوائياً أم أنها تختار الخلية التي تريد أن تتشابك معها؟ العلم الحديث يخبرنا أن كل مجموعة من الخلايا العصبية تتشابك مع مجموعة معينة من الخلايا العصبية ولا تتشابك مع خلايا أخرى قريبة جداً منها لا بل وملتصقة بها. تقوم هذه المجموعة المتجانسة (المتحابة) من الخلايا العصبية بأداء وظيفة معينة مثل تذكر وجه شخص معين بذاته أو تذكر رائحة عطر أو قصيدة ما....... الخ. في العام 1985 كنت في بريطانيا في مرحة الدراسة، عندما تم إنتاج أول جهاز تصوير بالرنين المغناطيسي في العالم في جامعة « هامرسميث « في لندن. كان حجم المغناطيس المستعمل في هذا الجهاز يماثل حجم عمارة كبيرة إلى درجة أن الطيارين اشتكوا أنهم عندما يمرون بطائراتهم من فوق منطقة هامرسميث قبل هبوطهم في مطار «هيثرو» فإن شيئاً ما يجذب الطائرة بقوة إلى الأسفل. تطورت الأمور من ذلك الحين وأصبح حجم المغناطيس أصغر ودقة الصورة أفضل. عندما تدخل جهاز الرنين المغناطيسي يتأكد فني الأشعة من عدم وجود معادن مزروعة في جسمك مثل شبكة معدنية في شرايين القلب أو مفصلاً صناعياً ثم يقوم بإزالة كل شيء معدني من ملابسك ويدخلك إلى داخل الجهاز بحيث يكون رأسك داخل صندوق بلاستيكي فيه مجسات تلتقط الموجات الكهرومغناطيسية. أثناء التصوير ورغم أنهم يضعون سماعات على أذنيك لتسمع بعضاً من الموسيقى إلا انك تظل قادراً على سماع أصوات مطارق وقرقعة فأنت ترقد داخل مجال مغناطيسي هائل يقوم بترتيب ذرات جسمك حسب القطب الموجب والسالب للمغناطيس فتبدأ ذرات جسمك بالاهتزاز أو «الرنين» في الوقت الذي تقوم فيه المجسات الموجودة داخل الصندوق البلاستيكي بالتقاط هذه الذبذبات وتحويلها إلى صور ذات أبعاد ثلاثية. حديثاً قام العلماء في جامعة «هارفارد» بإجراء تجارب على متطوعين أثناء تصويرهم بالرنين المغناطيسي الوظيفي بحيث جعلوا المتطوعين يشاهدون صوراً عديدة لشخصية معينة وبالصدفة كانت اختيارهم للممثلة الأمريكية المشهورة «جينيفر انيستون» بحيث يشاهد المتطوع المئات من الصور لهذه الممثلة في أوضاع وزوايا مختلفة وفي ملابس مختلفة وتسريحة مختلفة. وجد العلماء أن هنالك مجموعة صغيرة من الخلايا العصبية تظهر نشاطاً واضحاً و»تنير» كلما شاهد المتطوع صورة من صور هذه الممثلة مما أثبت انه عندما يقوم دماغنا بتكوين ذاكرة تخص شخصاً ما أو موقفاً ما فإن تغيرات معينة تحدث في نقطة معينة من الدماغ. أطلق العلماء على هذه الظاهرة اسم «خلية جينيفر انيستون» والتي دخلت في المراجع الطبية الحديثة. يقول الله تعالى في محكم كتابه في سورة الذاريات: «وفي أنفسكم أفلا تبصرون» صدق الله العظيم