دراسة التهرب الضريبي ...هل تأخذ حقها من البحث؟
اصاب المجلس الأقتصادي والأجتماعي في اختياره لموضوع الدراسة المتعلقة بالتهرب الضريبي نظرا لأهمية هذا الموضوع في تعزيز الأيرادات الحكومية خاصة ان هناك مطالبات من مجلس الامة للحكومة لوضع اجراءات للحد من التهرب الضريبي ،كما نجح رئيس الفريق الذي اعد الدراسة من استعراض ابرز ماتضمنه البحث والتركيز على النتائج والتوصيات بأسلوب جيد مكن من اظهار المدلولات الواضحة للدراسة ،كما دعا دولة رئيس الوزراء «الذي رعى حفل الأطلاق» الباحثين والمحللين الماليين والأقتصاديين الى ابداء ارائهم حول ما احتوته الدراسة من فرضيات ونتائج وتوصيات .
لاشك ان التحليل العلمي للدراسة يتطلب الدخول في الفرضيات المعتمدة للوصول الى النتائج ،والبيانات التي تم الأستناد اليها في اعداد الدراسة ،الا انه يمكن الوقوف مبكرا على بعض القضايا التي تضمنتها الدراسة ومنها مايلي.
و ركزت الدراسة على التمييز بين الفاقد الضريبي الناتج عن الأعفاءات والمتأخرات وبين الفاقد الناتج عن التهرب الضريبي حيث قدرت الدراسة حجم الفاقد الضريبي بقيمة 1.9مليار دينار منها1.2 مليار دينار تمثل فاقد ناتج عن اعفاءات ومتأخرات و695مليون دينار تمثل فاقد ناتج عن تهرب ضريبي منها 200مليون دينار تهرب من ضريبة الدخل و495مليون دينار تهرب من ضريبة المبيعات ،وهذا من شأنه ان يزيل اللبس الحاصل لدى البعض في تقدير حجم الفاقد والتهرب الضريبي.
ومن المتفق عليه انه لاتوجد طريقة واحدة لقياس حجم التهرب الضريبي وقد سبق وان اعد دراسات سابقة توصلت الى بيانات اخرى حول حجم التهرب الضريبي لذلك من الطبيعي ان نجد من يشير الى ان التهرب الضريبي الحقيقي اكثر او اقل من الأرقام المقدرة الا ان ما يجب التركيزعليه ليس قيمة التهرب الضريبي فقط وانما التوصيات الهادفة الى زيادة الضوابط التي تعمل على الحد من التهرب .
وقد نجد من يخلط بين التهرب من الضرائب وبين التهرب من الأيرادات الحكومية التي تشمل الرسوم والضرائب والأيرادات الأخرى للخزينة وقد اشارت الدراسة الى عدم شمولها لكامل الأيرادات الحكومية وانما اقتصرت على التهرب الضريبي لضريبتي الدخل والمبيعات ولاشك ان حجم التهرب من كامل الأيرادات الحكومية سيكون اكثر من ذلك فيما لو تم البناء على هذه الدراسة لأضافة تقديرات التهرب من الضرائب الرسوم والأيرادات الأخرى.
و اشارت الدراسة الى ان تخفيض الرسوم الجمركية قد يكون ملائما لأن بقاء هذه الرسوم لم يؤدي الى ايجاد صناعات قادرة على المنافسة اقليميا او عالميا كما ان ارتفاع كلفة تحصيلها بالمقارنة بحجم الأيرادات المتأتية منها يجعلها دون جدوى ، اضافة الى ان تخفيض الرسوم الجمركية قد يؤدي الى الحد من عمليات التهريب ومحاولات التحايل على الأنظمة الجمركية،وهذا يدعونا للتوقف والتحليل حول جدوى السير بهذا المقترح مع ضرورة الأيضاح ان دائرة الجمارك لا يقتصر عملها على تحصيل الرسوم الجمركية فهي تقوم بتحصيل جزء كبير من ضريبة المبيعات من خلال مراكزها الجمركية .
ما يمكن التركيزعليه ان عملية الأصلاح الشاملة للنظام الضريبي يجب ان لاتقتصرعلى دراسة موضوع التهرب الضريبي لوحده بمعزل عن القوانين الاخرى مثل قوانين الأستثمار والشراكة مع القطاع الخاص وغيرها وقد اشارت الدراسة الى ذلك ، لذلك لابد من التحقق بشكل مواز من عدالة توزيع الضرائب بين القطاعات الاقتصادية واثرها على النمو الأقتصادي فعلى الأغلب ان زيادة الضرائب على قطاع معين من شأنه ان يرفد الخزينة بأيرادات اضافية لكن ليس بالضرورة ان تكون صافي المحصلة هي من مصلحة الأقتصاد الوطني ،فزيادة الضرائب على قطاع الصناعة مثلا سيعزز ايرادات الخزينة لكن بالمقابل قد يكون الأثر السلبي الناتج عن انخفاض التصدير اكبر من الأثر الأيجابي الناتج عن الأيرادات الأضافية المتحققة للخزينة كما ان زيادة الضرائب في احيان اخرى على سلعة اوخدمة معينة قد يؤدي الى انخفاض حجم مبيعاتها وبالتالي عدم تحقق الأيرادات الأضافية المستهدفة للخزينة وبذلك نكون قد قللنا من النشاط الأقتصادي وبنفس الوقت لم نحقق للخزينة اية ايرادات اضافية ،كما ان الحاجة تستدعي مراجعة كافة الأعفاءات التي قدرتها الدراسة والتحقق فيما اذا ينبغي الأستمرار بها ام الغاؤها اعتمادا على الفائدة المتحققة للأقتصاد الوطني.