مطلوب وزير دفاع.. فوراً!
على المُتقدم لشغل هذا المنصب أن يكون على يقين و»قناعة», بأن ليس ثمة مخاطر في حمل «حقيبة» كهذه, حيث كما يعلم معاليه (المُقبِل) انه لن يتواجد في ميادين المعارك ولن يمكث قليلاً أو كثيراً في غرفة العمليات, وهو أيضاً سيكون محاطاً بثلة أفراد حماية تلقوا تدريباً عالياً واحترافياً على يد اجهزة استخبارية «قويّة» وذات مساهمة كبيرة وطيبة في حماية الشخصيات المهمة, فضلاً عن أن سيارته – واسطول الحماية الذي يرافقه – ستكون مُصفّحة بالكامل, ذات زجاج أسود داكن, وسيكون التمويه عليها متقناً, على نحو يضلل الاصدقاء (وهل ثمة اصدقاء غير اصدقاء سوريا الذين التقوا في لندن مؤخراً؟) قبل الاعداء, وهم هنا كثر, سواء في تنظيمات المعارضة وتشكيلاتها المختلفة, أم لدى اجهزة النظام و»عوانيته» الذين يخترقون فصائل وكتائب وألوية وجيوش المعارضة.
نحن نتحدث عن الازمة السورية اذاً, حيث استقال «للمرة الثانية» معالي وزير الدفاع في حكومة احمد طعمة, التي شكّلها إئتلاف الجربا كي تدير المناطق «المحررة» وكي تكون على تماس مع الثوار في المدن والارياف التي تحت سيطرتها, والتي تزيد (كما تعلمون) على اكثر من 60% من اراضي الجمهورية العربية السورية, فيما تُحاصَرْ النسبة الباقية التي تختبيء فيها قوات النظام, والذي بات سقوطه مسألة وقت, أو على ما قال فخامة احمد الجربا لصحيفة فرنسية يوم أمس, بأن المطلوب من اصدقائنا في الغرب, تزويدنا بكل أنواع الاسلحة «كي نقوم بإرجاع (...) الأسد الى طاولة مفاوضات يُبحث فيها رحيله عن السلطة»..
أسعد مصطفى الذي قاد اكثر من مؤامرة لاطاحة ديغول سوريا الجنرال سليم ادريس, قَبْل أن يتم ارضاؤه بتعيينه مستشاراً عسكرياً لمصطفى والاتيان بعبدالإله البشير رئيساً للجيش الحر (..) في صفقة فاحت منها رائحة المال واملاءات العواصم الاقليمية, رغم انها تزامنت مع شائعات تقول انها ستكون مقدمة لهجوم «ربيعي شامل» على العاصمة دمشق لاجتياحها واطاحة النظام من جهة الجنوب، بعد إفشال هجوم الغوطتين وسقوط القلمون وانهيار معنويات المسلحين..
سقط رهان أسعد مصطفى، الذي أرادت بعض الجهات تلميعه لأسباب جهوية ومذهبية، وها هو عاد الى منفاه الاختياري في الكويت، يُطلق تصريحات ويجتّر مقولات واصفاً التمرد المسلح الذي قاده تكفيريون ومرتزقة وقتلة محترفون وتجار حروب بأنه «أشرف ثورة في التاريخ الحديث»، وفاته أن «يهدر» دقيقة واحدة من وقته الثمين, ليشاهد «نموذجاً» واحداً من الفظائع والارتكابات المشينة التي يقارفها «ثواره الاشاوس» والذين لم يضيّعوا اي وقت للولوغ في دم السوريين وتدمير سوريا الدولة والكيان والحضارة والتنوع والدور..
لن يُبذل المزيد من المساعي، لثني معاليه عن استقالته التي بدت كما المرة الاولى (يأس وخفّة) تعوّد عليها منذ تم اختراع أطر وهياكل صدئة للّم شتاتهم، كما فعل الرعاة والممولون عندما اخترعوا مجلس اسطنبول وجاءوا بالمفكر العظيم برهان غليون على رأسه، الى ان غدا هيكلاً صدئاً فأهدوه لليساري المتأمرك جورج صبرا، كي يمُضي فيه تقاعده «الثوري» وبخاصة ان «الائتلاف» الذي كانت هيلاري كلينتون «اشبينته» قد بات على رأسه الجربا, الذي يُجالس اوباما ويدخل قصر الاليزيه كي يحاضر عليه هولاند, اكثر رؤساء فرنسا هبوطاً في الشعبية، بعد أن مكث قليلاً في عاصمة الضباب لندن ليلتقي حفيد المستعمرين المتغطرس وليام هيغ, ليطير لاحقاً الى برلين حيث المستشارة ميركل, التي لفرط ارتباكها لم تستطع مقاومة «سحر» الجربا الذي قضى جزءاً كبيراً من حياته المديدة في التجارة السرية والصفقات المشبوهة, التي قادته الى السجن جنائياً وليس سياسياً, على ما كانه المناضل الفذ ميشيل كيلو الذي يصح وصفه بحق, بأنه بات الان مثل «مُصيّفي الغور» الذين لم يصيبوا راحة أو نشوة.
اللافت في التحرك المرتبك والمحمول على قلق وخوف كبيرين لدى الدمى التي جيء بها لتمثيل «الشعب السوري», وتم اعتمادها لدى عواصم الغرب الاستعماري وتقف خلفها عواصم اقليمية, بدأت هي الاخرى مراجعة حساباتها الخاطئة من الاساس, والتي لا تمت الى اصول السياسة او فهم قواعد اللعبة الدولية او حتى عِبَر التاريخ ودروسه, وأثر الجغرافيا والدور في الخرائط والخطط, انه (تحرك الجربا وزمرته) يأتي على وقع انحسارٍ وتراجعٍ وهزائم موصوفة, لحقت بالمسلحين والتكفيريين, وانسداد الأفق أمام «جيشه الحر» الذي لا يعرف من أين يَتلقى الضربات, العسكرية والميدانية, حيث اليد الطولى للارهابيين, وحيث بدأ كثيرون ممن غُرّر بهم يراجعون أنفسهم ويعودون عن طيشهم ويسوّون أوضاعهم, على نحو يمنح سوريا وشعبها الجريح, فرصة إعادة البناء واستعادة الامن والاستقرار والانطلاق الى مرحلة جديدة مختلفة عمّا سبق, في التفاصيل وليس في الثوابت, ودائماً في تمكين الشعب السوري من الاختيار والمشاركة الحرة في الشأن الوطني, بعيداً عن تدخلات المستعمرين واحفاد العثمانيين والسلاجقة ورهط بعض العرب, الذين ظنّوا لوقاحتهم, انهم قادرون على «ليّ» ذراع التاريخ والضرب بالجغرافيا.. عُرض الحائط.