أزمة الإخوان المسلمين.. محاولة للفهم
أخبار البلد - ماجد توبه
لا نعرف إن كانت أزمة الخلافات الداخلية في الحركة الإسلامية، بين تياراتها وشخوص قياداتها، قد وصلت إلى المدى الذي يرد في بعض التغطيات الصحفية أو المقالات أو التصريحات المتناثرة، لأطراف معارضة لقيادة الحركة الحالية، أو أنها ما تزال أزمة محدودة، وتنحصر أساسا في خلافات طبقة قياديي الحركة، بتنويعاتهم، كما توحي تعليقات وردود قيادة الإخوان المسلمين.
لكن الثابت أن أزمة الخلافات داخل الحركة، والتي لها جذور تاريخية حديثة، عبر العقدين الماضيين، تصاعد وقعها وتأثيراتها بوضوح على صورة التنظيم السياسي المعارض الأكبر في الأردن، وسقوط بعض "التابوهات" التنظيمية في تجنب الحديث علنا وللإعلام عن الخلافات والصراعات، خاصة منذ تبلور فكرة مبادرة "زمزم" منذ عام تقريبا، والتي أطلق الموقف منها تداعيات واسعة، وفتح بابا للاستقطاب، ليس فقط داخل جماعة الإخوان، بل وحتى خارجها، بين نخب سياسية وإعلامية وفكرية.
قد يصعب التصديق والإقرار بأن الفرز والاستقطاب الجاري في الإخوان، والذي يتبلور أساسا في هذه المرحلة بين تياري "زمزم" وقيادة الإخوان "الصقورية"، وشبكات التحالف المحيطة بكل منهما، وسبق أن تبلور في مراحل سابقة بين تيارات الحمائم والصقور والوسط، وما سمي يوما بالتيار الرابع، نقول قد يصعب التصديق بأنه استقطاب وانقسام على أسس عنصرية وجهوية، رغم بعض المؤشرات والنزعات الفردية التي تظهر في خطابات وتصريحات بعض الأصوات من الطرفين.
كما يصعب الإقرار بأن هذا الاستقطاب الحاد هو حالة تعبير عن انقسام فكري وسياسي ورؤيوي، رغم بعض المحاولات و"الدعايات" الإعلامية التي تحاول أن تقود توصيف هذا الخلاف والانقسام إلى مربع الفكر والرؤية. ودليلنا في ذلك، هو وجود رموز وقيادات معتدلة، فكريا وسياسيا، في صفوف الطرفين، تماما كما توجد رموز وقيادات منغلقة فكريا وسياسيا، في الجانبين أيضا.
فيما يبدو التوصيف الأكثر دقة للخلاف، هو أنه امتداد لخلافات سياسية وتنظيمية، والأهم ربما، شخصية، بين رموز الأجنحة المتصارعة في الحركة الإسلامية منذ أكثر من عقد، والتي انفجرت بصورة دراماتيكية وعلنية في محطة الانتخابات البلدية، ثم النيابية العام 2007، وما رافقها من تراشق اتهامات داخلية واستقطاب، تم تفريغ شحناتها التفجيرية في انتخابات داخلية مبكرة.
البعد الطارئ على محطة الاستقطابات داخل الحركة، ربما كان هذه المرة الإعلام والفضاء الإلكتروني، واستغلال المساحات التي يوفرانها، بتفاوتات تحددها بعض الاصطفافات الرسمية وغير الرسمية. وبات الإعلام والفضاء الإلكتروني ميدانا لتراشق الاتهامات، وتعزيز الاستقطابات. وأصبح توزيع أوصاف الاعتدال والوسطية والوطنية والمتشددة يصرف من دون حساب، وفقا لهذه الاستقطابات.
الخطير اليوم أن دوامة الصراع والخلافات داخل أجنحة الإخوان، تتشعب وتنزلق إلى اتهامات خطيرة، صارت تصرف مجانا ومن دون حساب، بالإقليمية والعنصرية والإقصاء "المنابتي" والجهوي. وهذا أمر بات يؤثر ويلقي بظلاله على النسيج الاجتماعي للبلد، والذي يجب أن نعترف أنه "هش"، بفعل فاعلين وللأسف، خاصة بعد موجات التفتيت والضرب تحت الحزام لهذا النسيج، التي تستمرئها نخب سياسية وإعلامية و"مثقفة" منذ عدة سنوات.
والراهن أيضا، أن تماسك الحركة الإسلامية ووحدتها، رغم الاختلاف معها أيديولوجيا وسياسيا، هو أمر أساس كما نعتقد، ويجب أن يحرص عليه الجميع، خاصة عند التوقف مليا أمام تشابكات الوضع الداخلي لهذا التنظيم وحزبه، مع الوضع الوطني والمجتمعي الأردني. وإذا كان يمكن تعداد عشرات الملاحظات والانتقادات والاختلافات مع الحركة الإسلامية، من قبل الجانب الرسمي والقوى السياسية والمجتمعية الأخرى، فإن عاقلا واحدا لا يمكن أن يدعو أو يتمنى، تفتيت هذا التنظيم السياسي الرئيس، أو اندلاع "حروب أهلية" في أروقته، تذهب بريحه!