الحكومة و"المبادرة": دلالات الطلاق
"هل هذه هي مؤشرات وعلامات قرب رحيل الحكومة؟"، هو السؤال الذي تولّد مباشرةً في أوساط النخبة السياسية بعد تصريحات منسق "المبادرة" النيابية، د. مصطفى حمارنة (لموقع "عمون" الإخباري)؛ إذ كشف عن نهاية العلاقة مع حكومة د. عبدالله النسور، وأشار إلى عزم "المبادرة" (35 نائباً) تسمية رئيس وزراء آخر مع بداية الدورة البرلمانية العادية المتوقعة في الأشهر الأخيرة من العام الحالي!
الحيثيات التي يذكرها الدكتور الحمارنة، تتعلّق بعدم جديّة الحكومة في أخذ برنامج "المبادرة" على محمل الجدّ، وتراخيها في تطبيق العديد من التفاهمات التي تمثّل، وفقاً لأصحاب "المبادرة"، مفتاحاً أساسياً للأزمات المتشابكة في البلاد.
ويؤشّر أصحاب "المبادرة" إلى جملة من النقاط، في مقدمتها تحويل الحديث عن "حقوق مدنية" لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين إلى "مزايا خدماتية"، ما أضعف كثيراً الفكرة نفسها؛ فضلاً عن التلكؤ في قضايا توفير الطاقة والإصلاح الزراعي وضبط النفقات؛ وأخيراً تغيّب وزراء عن اجتماعات مؤخرا، ما يشي بشعورهم بعدم الاهتمام الحقيقي أو إدراك أهمية برنامج "المبادرة" النيابية!
في المقابل، يؤكّد الدكتور خالد كلالدة (الوزير المختص بمتابعة التنسيق مع "المبادرة") أنّ الحكومة ملتزمة بالاجتماعات والتفاهمات التي تمّ الاتفاق عليها، وينفي أن تكون هي من انقلب على "المبادرة"!
في نهاية الأمر، على الأغلب أنّ "العلاقة الجدلية" بين الحكومة و"المبادرة" النيابية قد شارفت على النهاية، بل تجاوزت تصريحات أصحاب "المبادرة" أي طرح لإعادة المياه إلى مجاريها مع الحكومة، عبر تأكيدها بأنّها ستضع الملك في صورة ما حدث، وستدفع بأسماء جديدة مع الدورة البرلمانية العادية الجديدة!
"توقيت" هذا الطلاق ربما هو الذي دفع بالسؤال فيما إذا كنا أمام "طبخة" سيناريو نهاية عمر الحكومة عبر البوابة البرلمانية. إذ إنّ قدرة الحكومة على إخفاء الخلافات بين وزارات سيادية ورئيس الحكومة، بدأت تتضاءل. كما أنّ العلاقة بين الرئيس وبعض أصحاب المواقع العليا متعكّرة، ما يخلق انطباعاً بأنّ هناك أكثر من طرف يدفع نحو هذا السيناريو!
بالرغم من هذه الدلالات، إلاّ أنّ عمر الحكومة متوقف عند سؤال آخر، يتمثّل في مدى قناعة "صانع القرار" بضرورة تغيير الحكومة وأهمية ذلك؟ فمن المعروف أنّ الرغبة الملكية تتمثّل اليوم في إطالة عمر الحكومات إلى أقصى قدر ممكن، فضلاً عن أنّ مسألة اختيار البديل أصبحت هي الأخرى سبباً آخر، وربما أهمها حالياً، لبقاء الحكومة واستمرارها.
لا نريد الخوض، ثانيةً، في عوامل قوة الحكومة وضعفها (من زاوية نظر أصحاب القرار)، إلاّ أنّ ما كان يُحسب لها، سابقاً، لم يعد كذلك اليوم؛ فـ"الجرثومة القاتلة" التي أصيبت بها الماكينة الحكومية، تتمثّل في استسلامها للقناعة الزائفة بأنّ الأمور تسير بالاتجاه الصحيح، وأنّها لا تواجه مشكلات حقيقية، وأنّ الرغبة العليا تفضّل بقاءها على الدخول في دوامة اختيار رئيس جديد ونقاشات مرهقة مع مجلس النواب!
ومن يراقب أداء الحكومة خلال الفترة الأخيرة، سيلحظ بسهولة شديدة أنّها افتقدت تماماً إلى المبادرة السياسية والإعلامية والاقتصادية، حتى في التعامل مع أزمات مشتعلة مثل معان وعجلون، وكأنّها استنفدت حضورها السياسي، فلا تحمل أي رؤى أو تصورات جديدة، بل أصيبت بتخمة الثقة المفرطة في النفس، التي ظهرت في حديث الرئيس مع إذاعة "مونتي كارلو" (مؤخراً)، وأصبحت تنظر إلى التحديات والأزمات والمشكلات من "منظور مقعّر" (فيه قدر كبير من التصغير والاستهتار). وحتى العلاقة مع "المبادرة" النيابية، التي كانت تمثّل نمطاً جديداً في المشهد السياسي، انتهت!
مع ذلك، من الواضح أنّ طبخة الرحيل لم تنضج تماماً بعد؛ إذ إنّ أكثر المتّحمسين لرحيلها ما يزال يتحدّث عن بداية الدورة البرلمانية العادية القادمة، بعد تمرير الدورة الاستثنائية!