ثقافة التطاول على المال العام

استوقفني خبر طريف مفاده إحالة إحدى المريضات في أحد المستشفيات البريطانية إلى التحقيق بتهمة سرقة الكهرباء لأنها قامت بشحن هاتفها أثناء وجودها للعلاج بالمستشفى، وتساءلت إذا كان شحن هاتف يعد في هذه المجتمعات سرقة يعاقب عليها القانون وهي مجتمعات تحرص على الاهتمام بمثل هذه القضايا وتسليط الأضواء عليها ليس من منطلق الضرر المادي بل بهدف ترسيخ منظومة المبادئ والمُثل والأخلاق المجتمعية، فبماذا يمكن أن نصف مئات وحدات الإنارة التي تضاء عدة أيام في (صيوانات) الأفراح والأتراح والتي نقوم جميعنا بربطها بأعمدة الكهرباء مباشرة! وبماذا يمكن أن نصف ما يقوم به حُراس المدارس الحكومية والذين يقومون بإنارة معظم طوابق المدرسة ليلاً وقد يكون الحارس غير متواجد بالمدرسة أصلاً! وبماذا نصف الموظف الذي وبالرغم من وجود وحدات تدفئة في مؤسسته الحكومية يقوم باستعمال مدافئ الكهرباء التي تستهلك أحمالاً كبيرة طيلة ساعات الدوام! وبماذا يمكن أن نصف الاف المواطنين الأردنيين الذين يتزودون بالكهرباء في منازلهم بطرق غير مشروعة ودون المرور بعداد الكهرباء.

والعجيب في الأمر أن الأشخاص الذين عُرف عنهم التزود بالكهرباء بطريقة غير مشروعة غالباً ما يبررون سلوكهم المشين هذا بخطاب واحد مفاده «إن لكل الأردنيين الحق في الحصول على الكهرباء مجاناً وأن الحصول عليها بدون عداد ليس سرقة وبدل ما يلاحقونا على أثمان الكهرباء الزهيدة يروحوا يشوفوا اللي نهبوا البلد وسرقوا الملايين»
بالطبع فإن ما يسري على عداد الكهرباء يسري على عداد المياه.
وهنا أتساءل: هل أصبحت سرقة المياه والكهرباء ثقافة لدى شريحة واسعة من المواطنين فإذا كان الحال كذلك فأقرأ على الدنيا السلام .
والأخطر من ذلك أنه يُشاع بأن شركة الكهرباء وعند ملاحظتها بوجود فاقد من الكهرباء في منطقة ما تقوم بتوزيع أثمان هذا الفاقد (الذي يتم الحصول عليه بالسرقة) على المشتركين في المنطقة الملتزمين بدفع فواتير الكهرباء المستحقة عليهم، ولك أن تتخيل ما هو شعور هذا الأخير الملتزم عند سماعه لمثل هذه الإشاعة.
وبرأيي أن مثل هذا الأمر (سرقة الكهرباء وتبريرها) يؤشر الى حقائق خطيرة في مجتمعنا أهمها ضعف روح المواطنة والانتماء، وكذلك فقدان الثقة بالدولة ومؤسساتها، مما يؤدي إلى التحول التدريجي إلى مفهوم «حارة كل من إيدو إلو»، وهي ظاهرة أشبه ما تكون بكُرة الثلج المتدحرجة والتي إذا لم يتم التصدي لها بمختلف الوسائل ستكبر وتتفاقم وتشمل جوانب متعددة في المجتمع.
وخطورتها بأنها ستخلق أسراً وجيلاً بأكمله يتقبل سرقة مقدرات الوطن ويبرره، الأمر الذي سينجم عنه مجتمعاً يغرق بالفساد ولا تضبطه ثقافة بعدم التطاول على المال العام.
إن مواجهة مثل هذه الظاهرة بحاجة إلى جهد وطني متكامل بدءاً من المدرسة والمؤسسات العامة والخاصة وصولاً إلى المنابر والوعاظ والصحافة وحتى منظمات المجتمع المدني، فنحن اليوم بحاجة إلى إعادة غرس منظومة القيم والأخلاق المجتمعية والدينية في نفوس الناس أكثر من أي وقت مضـى.