وقفات مع أزمة خطف السفير

أحسن الجميع ووقفوا صفا واحدا في مواجهة أزمة خطف السفير الأردني في ليبيا، لم ينشغلوا خلالها بالتلاوم والتوظيف السياسي وتوجيه الاتهامات، وأجلوا ذلك كله لوقته المناسب.. وهذه نقطة تحمد للجميع، فعوضا عن أن تكون الأزمة سببا للخلاف والتجاذب ومدخلا للتصيد في المياه العكرة، نجحت الحكمة الأردنية في تحويلها إلى سبب للتوحّد والتلاحم واجتماع الكلمة.
بعد أن هدأت العاصفة، وعاد السفير الأردني – بحمد الله - سالما معافى إلى وطنه، ثمة وقفات مهمة لاستخلاص الدروس والعبر، تجنّبا لتكرار الأزمة.
الوقفة الأولى: أهمية الحذر من أن تتسبب الحادثة بحالة انكماش وانكفاء وخفض لسقف العلاقات الدبلوماسية مع دول شقيقة تدعو الوشائج الأخوية والمصلحة لتطوير علاقات إيجابية معها، على قاعدة الاحترام المتبادل، وبعيدا عن التدخل في الشؤون الخاصة.
والثانية تتعلق بالاحتياطات الأمنية التي ينبغي أن تتوفر للسفارات بمستوى مناسب حيث تستدعي الظروف ذلك. فإذا كان المطلوب استمرار العلاقات الدبلوماسية وتطويرها مع مختلف الدول العربية، فلا شك أن مناطق التوتر والخطر تتطلب احتياطات استثنائية خاصة.
أما الوقفة الثالثة فهي ضرورة التنبّه لعواقب الاندفاع نحو سياسات أمنية غير محمودة العواقب خارج الحدود.
لقد فشلت سياسة إدارة بوش بخوض حروب استباقية خارج الحدود لضرب مصادر الخطر في عقر دارها قبل وصولها الأراضي الأمريكية، وعادت تلك السياسة الرعناء على الولايات المتحدة بأضرار جسيمة دعتها للتخلي عن تلك الحماقات.
ذات المبرر استخدمته قوى لبنانية لخوض حرب خارج حدود الدولة، فتورطت في الصراع السوري بحجة مواجهة الإرهابيين استباقيا ومنع وصول خطرهم للبنان، فكانت النتيجة تفجيرات وأعمال عنف ودماء وأشلاء وضحايا في قلب العاصمة اللبنانية.
المصلحة تدعو إلى تقليل حجم الخصوم والأعداء، وتجنب الدخول في مواجهات مع أطراف لا تجد كثيرا مما تخسره ولا تجد بأسا في اللجوء لكل الوسائل في إدارة صراعاتها. كما تدعو المصلحة إلى تجنّب خوض صراعات الآخرين وحروبهم، عربا كانوا أم أمريكيين.
المأمول أن لا تتكرر أزمة خطف السفير، فالتجاوب مع مطالب خاطفين، لا شك يغريهم وآخرين للجوء مجددا لاستخدام وسيلة نجحت وأثبتت جدواها، ما يفرض مزيدا من الحذر والحرص واليقظة، ومقاربات أمنية كفؤة وفاعلة من جهة، حكيمة ومتوازنة من الجهة الأخرى.