هكذا ضاعت فلسطين

ضاعت فلسطين
لأنهم يحبسون الرئيس ونغنّي للفاسدكالعريس
في هذه الايام تمر علينا الذكرى السادسة والستّون لطردنا او خروجنا القسري او هروبنا من ارضنا العربيّة الفلسطينيّة وسواحلها على البحر الابيض المتوسِّط الى مخيّمات الوحل ومستنقعات الذل وحواكير النكبة في نفس الوقت الذي قامت فيها دولة جديدة آمن ساكنوها بأرض الميعاد هدفا كاذبا وبهيكل ليس له اركان او قواعد ولكنّ رائحة البرتقال جذبتهم وشواطئ الابيض كانت لهم مرسى .
في الربع الأول من القرن الماضي استطاع الاوروبيّون اصحاب القارّة العجوز القضاء على الإمبراطوريّة الاسلاميّة المنهكة بعد ان ضعف ولاتها ووهن جيشها واستغلّ الصهاينة الهاربون من دول اوروبيّة كثيرة الوضع ليضعوا احلاما تداعب مخيلاتهم على طاولة الدولة التي لا تغيب عنها الشمس وينتزعوا وعدا من المنتصر بإقامة دولة حلمهم على اراضي شعب من شعوب الدولة المنهزمة وهكذا قُسِّمت اراضي تلك الدولة وشعوبها كغنائم للمنتصر .
وقبل ان ينتصف القرن الماضي تحقّق حلم الصهاينة في إغتصاب الأرض وطرد سكّانها الذين كان اهلها يرتعون في الجهل وملذات اللهو المتوفّرة في يافا عروس البحروهكذا ما بين غرور الفلسطينيّين وقادة العرب من خلال رفضهم لكل حلول التقسيم مع عدم استعدادهم العسكري المطلوب حتى جاء اليوم الذي خرج البريطانيّون من فلسطين وحلّ محلهم اليهود الذين اقاموا دولتهم على ارضها .
لا يمكن لعاقل وعادل ان يساوي بين القاتل والمقتول او بين الشاة وناحرها او بين المغتصب والضحيّة ولكنّنا يجب ان نعترف بحقائق الأمور وقتها وحتّى الآن .
وحتّى قبل إنشاء الدولة العبريّة وبرغم كل الهجرات ومساعدة المنظّمة الصهيونيّة العالميّة فلم يكن اليهود يشكِّلون اكثر من 30% من سكّان فلسطين ولم يكن بحوزتهم على اكثر من 8% من اراضيها ولكن كان لديهم إرادة قويّة وإيمان راسخ بأرض الميعاد وحلم دائم بالتجمّع إضافة لقادة مخلصون لقضيّتهم ومتطوِّعون بالعلم والمال لهدفهم الأسمى إضافة للدعم الدولي لقضيّتهم خاصّة في إستغلال تشرّدهم من أوروبّا ومحارق هتلر لبعض عائلاتهم كما يروي تاريخهم ويدعم كلّ ذلك قادة ضمائرهم غير زائفة ومباعة بل هم مبدعون بالتخطيط لتحقيق الهدف مستغلّين عطف العالم وجهل وبساطة عدوِّهم وضعفه امام الجنس والمال .
مقابل ذلك كان هناك شعب فلسطيني خرج من تحت السيطرة العثمانيّة دون قيادة سياسة او عسكريّة صلبة ولم يعرف سوى قيادة دينيّة تفتقد للإجماع بقيادة سماحة المفتي الحسيني ذو الأصول المقدسيّة فلذلك كان الفلسطينيّون شعب يرى في البيّارة اسلوب حياة وفي بابور الطحين قمّة التكنولوجيا ويرى الشاب الفلسطيني في تقبيل راقصة من خلف الزجاج في يافا قمّة المتعة والاستماع لأم كلثوم او مطرب يهودي قمّة الطرب ومعرفة القرائة والكتابة قمّة التعليم وذلك الوضع بقي سائدا حتى ثورة 1936 حيث تغيّر الوضع قليلا وزاد وعي الناس بظلم الإنكليز وبداية الإدراك لتآمرهم مع اليهود كما زاد تحصيلهم التعليمي بعد ذلك ولكن بقي الشعب بلا إدارة تذكر او تسليح معتبر وبقي معتمدا على الثوّار في مجموعات وافرادا بما يملكون من اسلحة خفيفة وتدريب بسيط وروح قتالية يذكّيها حبُّ الأرض والخوف على العرض حتّى استنجدوا بأمتّهم العربيّة ودولها التي كانت مشغولة في شؤونها الداخليّة والإستقلال عن المستعمر وكانت الهبّة العربيّة للإنقاذ هبّة رمزيّة عددا وعدّة حتّى انّها وُصمت بأسلحة فاسدة وأوامر عسكريّة جامدة .
وأمّا ما بعد النكسة فكانت النكبة تلو الاخرى للاراضي والاخلاق والضمائر والقيادات العربيّة .
نحن الاعراب تغنّينا بالديموقراطيّة ومارسنا الدكتاتوريّة بأبشع صورها وكانت المعتقلات والأقبية والتعذيب لمن ابتعدت شفتاه عن بعضها بتهمة قول لا للأنظمة وكانت الإنقلابات والإنقلابات المضادّة متكرِّرة وقد مارسنا الزيف والكذب على المواطنين واخترنا لهم ممثلّين عنهم تحت اسم الأعراس الديموقراطيّة وما هي إلاّ اتراح وجنازات لأحلام عشعشت في عقولنا .
كما شدونا بالحريّة ومارسنا التعتيم والتقييد على شعوبنا بل اوهمناهم بالإنفتاح ومنعناهم من الوصول للمعلومة وفرضنا القيود على النساء وبتن كالخدم في البيوت إلاّ من رحم ربي منهنّ وحدّدنا لهن الوظائف في التدريس والتمريض بعد ان إشتغلن في الزراعة والحقول وتربية الابناء والدجاج والعجول .
وزغردنا للنصر والتحرير بينما الهزيمة تملئ عقولنا وجوارحنا وما زالت النكبة لم يجفُّ ذلُّها بعد من مآقينا وتلتها النكسة ومسرحيّات السلام المهين بعد ان ذبلت السنتنا ونحن نكرّر السلام العادل والقابل للإستمرار وجني المن والسلوى ومستقبل زاهر لأطفالنا واشترينا السلاح بالمليارات ولكنّه بقي في صناديقه لتهديد بعضنا البعض واكتفينا بما خف حمله من مسدسات وبنادق واسلحة الكلاشنكوف والدكتريوف لإستخدامه في الأعراس والأفراح وإستقبال زعمائنا وضيوفهم وهم يتبخترون على السجّاد الأحمر ولكن مع تطوّر من هم على الكراسي في دولنا المحروسة استخدمناه في قتال بعضنا حتّى أنّ فلسطين المحتلّة اصبحت قطرين عدوّين وكان ان عدد العرب اللذين قُتلوا بيد العرب يعدّون بمئات الالوف وهم يزيدون بمئات الأضعاف عن من إستشهدوا من أجل التحرير الموهوم .
كما انّنا أوهمنا انفسنا بالشرف والأمانة بينما كنّا ننخر بالفساد والخيانة واصبحت المواخير وبيوت الدعارة اكثر عددا من المساجد والكنائس واصبحت اموال الرشى والحرام اكثر من المال الحلال واصبح الفاسدون هم اصحاب القرار والشرفاء لاذوا بالفرار واصبحت العدالة في خبر كان والمساواةغائبة حتّى الآن واستشرى الجشع في الابدان والاكوان .
أمّا هم فبالرغم من إغتصابهم لفلسطين والمقدّسات وانّهم العدوُّ الرئيس لنا كعرب مسلمين ومسيحيّيون فقد عملوا وخاصّة قادتهم وزعماؤهم بكلّ جدِّ وإخلاص ورسّخوا الديموقراطيّة بين مواطنيهم اليهود وبالرغم من وجود تناقضات رئيسة بين أحزابهم العديدة فإنّ الخيانة لم تتسلّل لضمائر قادتهم ولم يخرج أيّ من مواطنيهم عن الهدف الذي تسعى حكوماتهم اليه وهو سلب فلسطين بالكامل وطرد من بقي من الفلسطينيّين من ارض ميعادهم كما يزعمون وتشكيل كيان يهودي بإعتراف فلسطيني رسمي وهم قبلوا بحل الدولتين حسب مفهومهم وهو دولتي اسرائيل والاردن وليس حسب الإعلام العربي وهي دولة اسرائيليّة واخرى فلسطينيّة عاصمتها ابو ديس .
والفساد كما هو عندنا فإنه يستهوي البعض منهم ولكن الحساب عندهم يختلف فهم سجنوا رئيس دولتهم لأنّه إغتصب فتاة واصدروا حكما بحبس رئيس وزرائهم حبسا فعليّا لأنّه قبل رشوة عندما كان رئيسا للبلديّة قبل ان يُصبح رئيسا للحكومة فأين هؤلاء منّا نحن اللذين نصفّق ونغنّي للفاسد والمرتشي والطامع وننصب له السرادقات للإحتفال به بل وننتخب رئيسا للدولة رجل مريض مُقعد يتحرّك على كرسي مُقعدين وكأن الأمهات لا يُخلقن مثله .
هم عملوا ويعملون حسب تخطيط وإدارة لتحقيق هدفهم وبناء دولتهم ورفاه مجتمعهم بينما نحن نعمل على تنفيذ مخططات اجنبيّة معدّة لتدمير اوطاننا ومواطنينا سواء بمعرفتنا وارتباطاتنا المشبوهة او بجهلنا وغبائنا وقلّة حيلنا وكرهنا وحسدنا وحقدنا على بعضنا.
وهم قبّحهم الله ما زالوا لم يُحقِّقوا اهدافهم كاملة ونحن ما زلنا لم نصل القاع الذي يريدونه لنا بالرغم من مرور اكثر من ستّة وستُّون عاما على نكبتنا في ما كانت تُعرف فلسطين .
حمى الله القدس ومقدّساتها والاردن ارضا وشعبا وقيادة وسلّط الله غضبه وسخطه على الإسرائيليّين والصهاينة وجعل كيدهم في نحرهم إنّه على كلّ شيئ قدير .
أحمد محمود سعيد
15 / 5 / 2014