أزمة العيطان وشوق الأردنيين بعيدا عن ثنائية شعب وحكومة
جميل ان تحس هذه الرغبة الجامحة التي تجتاح نفوس الاردنيين لشعورهم بأردنيتهم. هذه الحالة يمكن رصدها بسهولة مع كل حدث يشعر الاردنيون من خلاله بوجود قضية توحدهم تجاه وطنهم.
منذ فترة ليست بالقليلة، لم نشعر كأردنيين بوجود قضايا تجمعنا، توحدنا، تجعلنا نشعر بمشاعر اللحمة المجتمعية والاخوة بيننا. على العكس تماما سادت مشاعر الشخصنة والضدية والتحزبات، ليصبح من الطبيعي عند الحديث عن اي شخص ان يسأل الحضور: هو من جماعة مين؟.
مع اندلاع حرب الخليج الاولى، كان خيار الاصطفاف مع العراق في مواجهة «العالم» هو خيار الملك الراحل الحسين بن طلال.
من زاوية المنطق السياسي المتعلق بهذا الخيار؛ فالامور لا تحتاج كثيرا من التحليلات لتوقع النتيجة الحتمية لهذه المواجهة مع العالم. مع ذلك من المهم رصد طبيعة تفاعل الاردنيين مع ما اعتبروه آنذاك قضيتهم، التي تبنوها ليس فقط بالشعارات، بل أيضا بسلوكاتهم الحياتية، كل مظاهر ضنك العيش وصعوبته من التنقل بالسيارات عبر نظام (الزوجي والفردي)، الى كوبونات السكر والارز، الى توفير الطاقة الكهربائية.. الخ، قبل به الاردنيون من دون تذمر او تململ، ليس لاي شيء بل لشعورهم بتبني قضية معينة.
بالتالي؛ فان كل هذه التفاصيل لا يمكن قراؤتها الا من زاوية التضحيات الطبيعية التي تقدمها الشعوب بملء ارادتها عندما تشعر بانتمائها لقضية بعينها.
رصد هذه الحالة والسلوك المجتمعي للاردنيين اليوم، لا يهدف الى اعادة قراءة التاريخ، او اي حدث سياسي، بقدر ما يهدف الى الاشارة لطبيعة تعامل الشعوب مع الاحداث، عندما تشعر بانتمائها، تبنيها لقضية او موقف معين.
في المقابل يبقى الخطر الحقيقي يتمثل بشعور الشعوب بمشاعر الاغتراب المجتمعي، والشعور بالبعد عن الحكومات، عندما يغيب مفهوم القضية الموحدة والبوصلة الجامعة. في الاردن للاسف يمكن اليوم رصد حالة واضحة من التحزب بين تيارين «شعب وحكومة» و ازدادت الفجوة بينهم بطريقة خطيرة، يمكن ملاحظتها بسهولة في مفردات وخطاب الاردنيين.
اما عامل التوحيد المفقود والقضية التي يجمع عليها الاردنيون فلا يمكن ان نجد قضية حقيقية شعر الاردنيون انهم يشتركون بها سوى مسألة الفساد والفاسدين، والتي كانت ايضا أحد اهم عوامل اتساع الفجوة بين المواطن والدولة. لسنا هنا بصدد مناقشة مسألة التباعد، بقدر الحديث عن ضرورة رصد حجم الرغبة التي تسكن الاردنيين لممارسة اردنيتهم، وتعطشهم لتفجير مشاعرهم المكبوتة في نفوسهم.
قضية السفير العيطان ليست مسألة عابرة، على العكس، يمكن الاستفادة من هذا الدرس لادراك احتياجات الاردنيين الحقيقية.
ويمكن رصد حالة ارتفاع الوعي الجمعي في شكل تعامل اغلبية الاردنيين مع قضية الافراج عن العيطان، عبر احتفالهم بسلامة سفيرهم، ورفضهم الممارسات «الاستعراض» والاستخفاف بالعقول التي مازال أصحابها يصرون على الظهور في كل المناسبات، ليعيدوا على مسامع الاردنيين الديباجات المملة والمستهلكة نفسها.. لكن يبقى السؤال: هل يا ترى يمكن للاردنيين أن يشعروا بأردنيتهم مستقبلا من دون وجود هذه المنغصات؟