محمد ساري العبادي يكتب عنــدما يتراجع جهاز الأمن العام .

م حطَّم مسلــسل الانتهاك اليومي لحقوق الإنسان على يد رجال الشرطة هذه الأيام الأرقام القياسية. . . . فبعد تعرض نائب في البرلمان وأشقائه للضرب والإهانة من قبل رجال الشرطة، تلاه اعتداء آخر على دبلوماسي فلسطيني في أحد المراكز الأمنية، وتتلاحق الأحداث تباعاً لتطلق الشرطة النار على مطلوب وهو مقيد داخل المركز الأمني ويصاب بجرح بليغ، وهذا الغيض وصل إلى وسائل الإعلام بفعل طبيعة الضحايا أو نوادر الحدث. أمَّا الفيض فيختفي خلف صمت الضعفاء والبسطاء والمغلوبين على أمرهم وبيان الناطق الإعلامي كان هو الآخر اعتداءً أشد قسوة على عقولنا عندما أدار اسطوانته المكررة ليعلن بأنَّ ذلك لا يعدو أن يكون " خطأ شرطي وهو خطأ فردي" وهي صيغة مضحكة مبكية حفظناها عن ظهر قلب وسط تحليلات تؤكد ظهور بوادر انفلات أمني سببه الخلل في الإشراف والتوجيه وإعادة برمجة أولويات المهام الشرطية الأساسية على نحو غريب . فبينما تتواصل هذه التجاوزات وتتصاعد وتيرتها نجد أنَّ الأمن العام يتخذ أدواراً ثانوية وضعت في الدرجة الأولى من سلم الأولويات استنزفت كثيراً من إمكانياته البشرية والمادية ومن الوقت والجهد، نذكر منها : تنفيذ حملة طبية مجانية لمعالجة المرضى في أنحاء المملكة، وحملة أخرى لصيانة مساكن الفقراء؛ بهدف كسب ود الجمهور بما يتعارض مع واجباته الأساسية بل يعد ذلك تجاوزاً صريحاً ومعيباً على اختصاص مؤسسات وطنية أخرى، وتناسي أنَّ هناك لصوصاً ومجرمين ازداد نفوذهم؛ فعاثوا في الأرض فساداً دون وجود رادع لهم في ظل تغيب شرطي ناجم عن تشتيت منتسبي الجهاز وزجِّهم في واجبات لا صلة لها بالأمن . ولنتذكر على سبيل المثال انتزاع أجزاء كبيرة من القوى الأمـنية وتخصيصها في العمل في مجالات أخرى. وبالإضافة إلى ذلك الإشارة إلى كيفية وضع برامج مكافحة الجريمة والبحث والتحري عنها والاهتمام بالقائمين عليها؛ من حيث اختيارهم وتأهيلهم والتي أصبحت تخضع للواسطة والشللية والمحسوبية والجهوية دون الأخذ بمعيار الكفاءة الذي تم وضعه في آخر سلم الأولويات وكان على صاحب الفكرة أنَّ يعي أنَّ ثقة المواطن واحترامه لجهاز الأمن العام يعتمد على درجة منعه لوقوع الجريمة وضبطها بعد وقوعها. كل الشكر والتقدير لشخص مدير الأمن العام يعمل فهو بكامل طاقته لكن الأوضاع الأمنية تتردى بشكل لافت على عكس ما يتمنى ويريد ولا يجوز تحميل الرجل أكثر من طاقته فهذا ما لديه من قدرة وإمكانات وكل ما بذله ويبذله من مجهود لم يؤهل الجهاز للتقدم خطوة واحدة الى الإمام، وفي محاولة للإنقاذ والعودة بالأمور إلى نصابها الصحيح وقع في فخ جديد عندما استمع إلى نصيحة الأقارب والأصدقاء و(الشلَّه) الذين قدَّموا مصالحهم الشخصية الآنيَّة على مصلحة الوطن؛ مما قاده للتخلص من كل القيادات الأمنية العليا المؤهلة التي كانت تعالج كثير من أخطاء قراراته الارتجالية، فيلجأ إلى الإدارة العائلية حيث أحاط نفسه بمجموعة من أقاربه؛ فتورط أكثر ولم يلق ذلك قبولاً بل وجدتْ مثل هذه القرارات مزيداً من النقد والاستياء من المواطنين والعاملين في الجهاز فانتشرت مقولة " برمكة الجهاز"، وأصبحت مصطلحاً شائعاً يتردد على كل لسان في الأوساط الأمنية والاجتماعية ؛ مما عكس عدم القناعة بمبررات إقصاء الكفاءات والادعاء بأنَّها جاءت على أساس إحداث توازن جغرافي في القيادات العليا حيث ثبُتَ أنَّ الهدف منها كان لتمهيد الطريق إمام " شله" من عديمي الفائدة والخبرة لإحلالهم في مكان الصف الأول فقط لاغير . صحيح أنَّ القسم بالشرف العسكري يذكرنا بدرجة الإخلاص والولاء ويؤكد الطموح لكنَّه لم يضيف للإنجاز على أرض الواقع شيئاً فالمسألة مرتبطة بالكفاءة وليست مسألة قسم يقال أو استغاثة بالقبيلة والاستنجاد بالعشيرة وإنما هي خبرة إدارية وقدرة على القيادة تقوم أركانها على : العلم والمعرفة والمهارة في إدارة المؤسسات الوطنية الكبرى التي لا تحمل أدنى درجات الخلل والتقصير. وفي النهاية نقول لكم: لقد تم معالجة الخطأ بالخطأ فتولت عشيرة محددة قيادة مؤسسة أمنية في سابقة مؤسفة لم نشهد لها مثيلاً من قبل .... ثم نتساءل أليس ذلك فساداً ؟ وما هي درجة السوء التي يجب الوصول إليها ليبدأ التصحيح ونزع فتيل شر مستطير قبل فوات الأوان ؟ أم أنَّ علينا تجاهل الواقع ودفن رؤوسنا في التراب إلى أن تقع الفأس بالرأس ؟ وإلى متى سنبقى نصدق أكاذيب من يوهمنا رغم كل المخاطر بأنَّ كل شيء مستقر وعلى ما يرام؟