الثورة ليست نزهة... او رحلة ترفيهية...
ان ما نراه الان من ثورات في بلدان عربية مختلفة قد يكون باعث للالهام والحماسة لدى الشعوب الاخرى الطامحة للتغيير في الدول العربية التي تريد او تتمنى في داخلها ان ما يحدث هناك لا بد ان يحدث في مكان اخر.
اعتقد ان التفكير بهذه الطريقة يشوبه الخطأ قبل الصواب! فالمعادلة الثورية لا بد ان تكون واضحة والربح والخسارة لا بد ان تكون بالحسبان. وهنا انا لا اوازن بين الكرامة ولقمة العيش او بين الحرية والقفص الذهبي ولكن اوازن بين ما هو موجود ومحقق بالمجمل وما يمكن ان يكون عليه الوضع في المستقبل.
لذا يجب ان يحتكم الانسان الى العقل فيما يريد ان يحقق له نظامه او حكومته من تطلعات ومكاسب. ويجب ان ينظر الى ما بين يديه ويفكر ما الذي سيكسبه في المستقبل. فكما نرى في ليبيا فان الثورة ليست نزهة ترفيهية بل هي ثورة مجبولة بالدم امام دكتاتور مستعد على عمل اي شيئ من اجل ان يبقى في السلطة وينهب خيرات البلاد. وهنا ايضا ابين قدسية الثورة الليبية ومشروعيتها امام نظام فاشي مستبد حكم شعبا بالنار والحديد غلى مدى اربعين عاما ونيف.
ولكن ليست كل الانظمة على شاكلة القذافي وليست المطالب كلها ترتقي الى مطالب الشعب الليبي. فلكل شعب مطالبه ولكل نظام خصوصيته. مع الجزم بان جميع الانظمة في دول العالم الثالث عامة والعالم العربي خاصة بحاجة الى الاصلاح والتغيير ولكن ما هي طبيعة الاصلاح! وما هي طبيعة التغيير! فليس التغيير معناه ان نغير كل شيئ اذا لم نكن بحاجة الى ذلك. ومعنى الاصلاح يدخل ضمن مفهوم التغيير الجزئي المحقق لطموحات الشعوب مع الابقاء على الايجابيات وتغيير السلبيات.
قد تكون المفاهيم الثورية القديمة والشعارات التي رفعت في السابق ترتكز على كل شيئ او لا شيئ. والتضحية بالنفيس والغالي في سبيل تحقيق الهدف المشهود. ولكن تلك المفاهيم لم تقس ما هو موجود وما هو ثمين والنظر الى ما هو سلبي وخاطئ مما سبب في تضحيات وخراب ودمار اكبر بكثير مما حصلت عليه الشعوب لانها بذلك قد نسفت العث والسمين مرة واحدة وبضربة واحدة مما تتطلب منها وفت طويل للتعافى وتخرج من دائرة العنف والفوضى.
فلنظر مثلا الى الثورة التونسية والمصرية. قد يظن الجميع انها حققت اهدافها برحيل بن علي ومبارك. ولكن قطع الشجرة من على سطح الارض لا يكفي بل يجب اجتثاثها من جذورها. لذلك ترى ان الجماهير التونسية والمصرية تشعر انها في بداية الطريق. لان حكومة شفيق وحكومة العنوسي بقيتا وتغيير بسط تحقق ووعود يرتقبها الثوار لعلها تحقق. وكم هو صعب التخلص الكامل من السابق لان عندها ستتخلص الشعوب من رؤسائها ومن ثم من جكومتها ومن ثم من نوابها ومن رجال اعمالها ومن سماسرتها ومن ومن ومن... وهذا صعب جدا لان التغيير الشامل له ثمن باهظ جدا ولا يجيئ بيوم او شهر او حتى سنة. وماذا بعد ؟
للنظر من حولنا بعين الحكمة ولا ننقاد الى شعارات قد تكون ظاهريا لمصلحة الوطن والشعب ولكن قد تحمل في طياتها طريق طويل صعب مليئ بالمخاطر ورهان على الشيئ او لا شيئ.
نعم للاصلاح والتغيير. نعم للعيش الكريم للمواطن. نعم للامن والامان. نعم لحرية التعبير والدين. نعم للهدف البناء الواحد المشترك. نعم للعقلانية والتريث. لا لسفك دماء الوطن الواحد. لا للفوضى والخراب. لا للتسيب واغتنام الفرصة. لا للخنوع والانهزامية ولا للاندفاع المسيس والغير موزون.
د.عبدالرحمن القواسميجامعة فيلادلفيا الخاصة qawasmi@philadelphia.edu.jo