رائد زعيتر أبا ..

كل الأسابيع التي مضت بدون أن تنبس الأيام ببنت شفة، ترد دمعة أهل المواطن الأردني مسلوب الحياة، رائد، وتشفي غليل السؤال عن ملابسات مقتله، والمصير الذي آل إليه مرتكب الجريمة، كل الأسابيع تلك، وبعدها بأسابيع ربما، لم تحرك ساكنا نظرة أسرته الصغيرة المشدوهة، المأسورة بالكامل ناحية جسر الملك حسين، حيث لفظ الوالد والابن والزوج آخر أنفاسه.

يوم وراء يوم، ولا خبر يبرد أعصاب أهل المغدور الملتفين حول بعضهم بعضا، يدفئون برد أضلعهم المرتجفة، من برد الصمت اللئيم، الذي يفتك بالعظم، غيظا ومرارة و"انكسارا"، أعتذر مسبقا عن استخدامه كوصف، يشرح ضعف الحيلة أمام سطوة انتظار الجواب.

في حوادث أقل فتكا بالكرامة، عايشناها بألم كبير كغرق الطفلة سيلين في مسبح مدرسة خاصة،  أو انتحار شابين في مقتبل عمريهما لأسباب عاطفية واقتصادية، كان للجواب عن السؤال، والرد القانوني ومن ثم الإعلان الرسمي المؤسسي لحيثيات 

الحوادث، وقع مخفف على النفوس المضطربة، والأعصاب المشدودة. فلماذا لا نعتقد بأنه من حق عائلة الشهيد رائد أن تعرف؟ أن تطلع؟ أن تتابع؟ أن يعيرها أحد ما اهتمامه، بعيدا عن البروباجاندا الاستعراضية لكيفية أداء الواجب الوطني.

هذه العائلة التي نكبت مرتين في أقل من شهر، مرة باستشهاد رائد، ومرة بوفاة ابنه، من حقها أن تكون بالصورة وتعرف مجريات الأمور، هذا إن كان للأمور مجريات من الأساس! 

ولاحظوا أنني هنا أتحدث عن رائد "حاف" بدون إضافات رسمية أو مسميات وظيفية، فقط رائد ابن والديه اللذين فجعا بمقتله، كأي إنسان على وجه الأرض يمكن أن يتخيل نفسه لا سمح الله في الموقف نفسه. 

رائد الابن والزوج والنسيب والصهر والصديق والجار والزميل، والأب يا جماعة.. الأب. لماذا لا نعرف شيئا عن أخباره فيما وراء النهر؟ لماذا لا يخرج على أهله تصريح واحد يقول إن الموضوع وصل إلى المرحلة كذا؟ خصوصا وقد قرأت قبل أيام، بأن القاضي أو المحقق المنتدب لمتابعة قضية رائد، في لجنة التحقيق "المشتركة"، لم يحصل حتى اليوم على إذن الدخول للأراضي الفلسطينية المحتلة!

والسؤال الأهم، هو كيف ومتى انطفأت جذوة غضب الشارع الأردني، على مقتل المواطن الأردني، وكيف ومتى اتفق الجمع على تخفيف وطأة الأسئلة، وتبطيء نشاط الملاحقة، تجاه الهيئات والمؤسسات الرسمية، المعنية وحدها بتقديم وإخراج الجواب؟
أعرف أن كلمة "الفزعة" هي التي ستقفز إلى الأذهان سريعا، إنما في الحقيقة، تجربة الفزعة تلك أتت أكلها في قضايا ساخنة، استلم ملفاتها الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، وحملات التأييد والمساندة في مواقع التواصل الاجتماعي، مثلما حصل مع قضية مسابح المدارس، أو امتحانات التوجيهي.

اليوم، بالكاد نرى أو نسمع أو نقرأ عبارة تخص قضية الشهيد رائد، والتي لا تتجاوز للأسف، أسئلة متفرقة هنا وهناك، من قبل ناشطين ومدونين، تستفهم عن مآلات القضية، وإلى أين وصلت، يتبعها علامات إعجاب عدة لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة!

عن نفسي أقدم لأم رائد وأبيه وإخوته وزوجته اعتذاري الشديد، عن التأخر في متابعة أخبار قضيته، وصبري على التصريح الرسمي لأسابيع أدرك أنها سنين جافة، مرت عليكم. 

ومن اليوم سيكون على طرف المقال كل أسبوع، بإذن الله تعالى، تعداد يعد الأيام التي تمضي، بدون أن نسمع خبرا من هناك، إلى حين ميسرة!
(65 يوما على استشهاد رائد زعيتر)
حنان الشيخ - الغد