«حمص».. شهيدتهم أم ضحيتهم؟
يتباكى منظّرو المعارضة السورية ومؤيدو المُسلّحين والتكفيريين على ما آلت اليه احوالهم بعد هزيمتهم المدوية في مدينة حمص التي خلعوا عليها لقب عاصمة الثورة، ثم ما لبثوا ان عاثوا فيها فساداً ونهباً وتدميراً وتهجيراً، على نحو أحال هذه المدينة الفريدة والعريقة، وبخاصة الاحياء القديمة منها، الى اطلال وخراب، استمرأوا اسر سكانها وتجويعهم وفرض افكارهم المتخلفة عليهم، ولم يتوانوا عن تدمير مساجدها وتخريب كنائسها وتحطيم كل اشكال ووسائل الحياة فيها، بل واستقدموا اليها «العملاء» الاجانب فرنسيين واتراكاً، وبعض الاجهزة الاستخبارية العربية، ظنّاً منهم انهم سيحيلونها الى «ستالين غراد» سوريّة، وتنطلق جحافلهم لتحرير باقي بلاد الشام، ودق ابواب العاصمة دمشق.
الاّ ان فألهم خاب وسقطت رهاناتهم وها هم في النهاية، يتوسلون الخروج بأسلحتهم الفردية ويُظهرون تلهفاً وتبرماً بعد ان تم ايقاف قافلتهم الاخيرة، اثر عدم التزام «سادتهم» بباقي بنود الاتفاق الخاصة بادخال مساعدات انسانية واغاثية للمحاصرين في بلدتي نُبّل والزهراء..
هكذا كان المشهد، وتم بثه بالصوت والصورة، ولم تَخْفَ وقائعه الصارخة على العين الفاحصة، ما بالك وقد انهار مشروع التمرد او هو في طريقه الى ذلك، بعد ان لم تعد «ثورة» كهذه تغري احداً او تجد مصداقية لدى السوري العادي الذي يتوق الى الحرية، كما رغيف الخبز وفرصة العمل والعدالة وتكافؤ الفرص، لكن قِيّماً نبيلة كهذه لا تأتي عبر داعش ولا النصرة، وبالتأكيد من خلال زهران علوش وجبهته الاسلامية، ولا مجموعات جمال معلوف الذي يمتهن السرقة والنهب والبلطجة وخصوصاً ان داعميه ومموليه ليسوا من اصحاب التجارب الناجحة في الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والشفافية, ما بالك اذا كان الحديث يدور عن احمد عوينان الجربا رئيس ائتلاف اسطنبول، الذي يتصدر اتهامه بسرقة عشرات الملايين نشرات الانباء في المواقع الاخبارية والفضائية,اضف اليه اليساري المتأمرك جورج صبرا و»الديمقراطي» المزيف ميشيل كيلو..
هل قلنا ميشيل كيلو؟
نعم, فصاحبنا الذي غدا شبيهاً بـ (مصيّفي الغور) عندنا، أو ذلك الغراب الذي نسي مشيته كما فشل في تقليد مشية الطاووس, وبعد أن بارت تجارته و»سقط» هو ومنبره الديمقراطي في إحداث أي تغيير جذري داخل إئتلاف اسطنبول, عاد الى مهنته السابقة وهي كتابة المقالات والتحليلات الفارغة التي تقول كل شيء ولا تقول شيئاً, بل هو فقد حظوته لدى فضائيات التحريض والفتنة, ولم يعد له حضور الا في بعض الصحف, التي ربما يخجل محرروها من رفض ترهاته، بعد أن استمرأ تكرار تنظيراته وشطحاته وادعاءاته، ومحاولة الظهور بمظهر المنظّر والحكيم.
صاحبنا هذا كتب مقالاً تحت عنوان «حمص شهيدتنا» حفل بكثير من المفردات العمومية والمبالغة في التوصيف وتجاوز المنطق والاعراف في مفهوم ومضمون القراءة النقدية, ما بالك انه طافح بالنرجسية والادعاء من قبيل القول «.. حمص رمز وحاضنة الثورة التي ضحت بالغالي والنفيس في سبيلها, وقدمت من اجل حرية السوريات والسوريين, ما لم يقدمه غيرها في تاريخ العرب القديم والحديث»..
ثمة صعوبة في ابتلاع ركام الكلام المرسل هذا والاقرب الى الشعر منه الى الحقائق الساطعة, وهذا ليس إقلالاً من أهمية وفداحة ما قدمته حمص واهاليها, لكن السؤال الاكثر اهمية الذي يحلو لكيلو وأشباهه ان يتجاهلوه وهو مَنْ الذي ألحق بحمص كل هذه الفجائع والخسائر؟ ومَنْ الذي ارتهنها وسكانها، لمغامراته وخطط أجهزة الاستخبارات الاقليمية والدولية؟
ومَنْ ايضاً ودائماً, الذي «دشن» الفرز المذهبي والطائفي، وراح يصنف الناس درجات في الايمان، اتباعاً ودافعي جزية وذميّين وغيرها من المصطلحات؟ والاكثر خطورة من الذي بدأ المجازر على الهوية الطائفية والمذهبية ومَنْ الذي هجر الاهالي ونهب ممتلكاتهم وضرب معابدهم ومساجدهم؟
يجدر بالذين ينظمون المراثي في حمص, ان يستخلصوا الدروس والعبر وان يعيدوا قراءة وقائع سنوات التمرد الثلاث التي انقضت, وأن يحددوا ما يريدون تحقيقه, بعد أن جلس على رأس «هرم الثورة» ادعياء ومهرجون وسرّّاق ونصابون وباتوا يحترفون نضال الفنادق والادلاء بالتصريحات وتحويل ما «يجود» به اصدقاء سوريا المزعومون الى ارصدتهم وزبائنهم والمنتفعين من دكاكين «الثورة».
ما شهدته حمص وما يتكشف تباعاً من بشاعة الارتكابات التي قارفها المسلحون والتكفيريون, لن يمر بدون حساب اجلاً أم عاجلاً واللافت أنهم وباقي المتمردين يواصلون ارتكاب جرائمهم في حلب (وغيرها) عندما يقطعون الكهرباء والماء عن شعبها وينسفون المشافي ويدمرون المواقع الاثرية ويجبرون الاهالي الالتزام بثقافتهم وخطابهم المتخلف والاجرامي.
لم يعد من الممكن تسويق مرثيات كاذبة ومصطنعة كهذه, بعد ان تيقن معظم السوريين, أن الدمار الذي لحق ببلادهم والخراب الذي حل بها، انما يراد من ورائه تقسيم بلادهم واستتباعها ووضع شعبها تحت وصاية الذين يتوزعون على جوار (غير عربي) متربص, صاحب ارث طويل من التآمر والاستعلاء, على النحو الذي تمثله بحق حكومتي اردوغان ونتنياهو وبعض العرب الذين استقالوا من عروبتهم.
حمص–كما كل المدن والبلدات السورية–ليس شهيدة ثوار اسطنبول والتحالف الاقليمي الشرير, بل هي ضحية هذه المؤامرة التي بدأت مسيرة فشلها...بالتسارع.