ماذا يعني أن تفقد أبـــــــــا

سوف تبدأ من الليلة الاولى، عندما تفقد الشعور بالامن والامان، حتى لو كنت رجلا بالغا معتمدا على ذاته، فانت في داخلك بحاجة الى ذلك الاب الذي يشعرك بأن لك سندا تلجأ اليه في المحن، تلجأ اليه عندما تشعر بالخوف او تمر بأي ضائقة كانت.
ثم تتسلسل الخطوات الى اليوم التالي، لتفقد الشعور بمتعة انتظاره عندما يحين موعد وصوله بعد انتهاء عمله عصرا او مساءا، ففي أول يوم يختلط شعور هل هو متأخر اليوم في عمله، لتعود ذاكرتك لتذكرك، لا هو ليس متأخرا هذا اليوم، لابل هو لن يعود مطلقا لا هذا اليوم ولا الايام او السنين القادمة.
ثم عندما يحين موعد تناول الوجبة الرئيسية الغذاء او العشاء والتي كانت تجمع شمل العائلة كاملة حول مائدة الطعام، يتجادلون، ويتسامرون، يحتدون احيانا ويوجه الحديث ذلك الاب ، ليعود الهدوء ليسيطر على جو الجلسة، عندما يحين موعد الوجبة الاولى، لاتعود العائلة لتجتمع كاملة معا، وكل فرد منها يتناول طعامه لوحده، بالوقت الذي يريد وبالنوع والكيفية التي يريد، ويبدأ عندها تشتت لابل تفتت افراد الاسرة الواحدة.
عندما ادخل الى غرفته وارى والدتي نائمة على طرف السرير، وقد تركت الطرف الثاني فارغا، مع انه لن يعود، ولكنها تشعر ضمنا انه نائم قربها، ربما تلك المسافة الفارغة تشعرها بالامان، عندما ارى ذلك المشهد، لااستطيع تمالك نفسي وتنهمر دموعي رغما عني، ادرك عندها ان حياتنا لن تعود كما كانت.
اقترب لافتح خزانة الملابس بغرفة والدي، واصطدم بمنظر البدلة الشهباء التي كان يحب ارتدائها بالمناسبات، تقف وحيدة داخل الخزانة وكأنها تصرخ اين صاحبي، فاضمها الى وجهي واشم رائحته الزكية التي مازالت تعبق بها، وارى شقيقتها ذات اللون الزيتي الداكن، وقد اشتبكت اكمامها مع اكمام البدلة الشهباء وكأنها تواسيها في محنتها، ويزيد ذلك من انفطار قلبي حزنا وألما.
بعد ذلك عندما يحصل ابسط خلاف بين الاشقاء، لن يجدوا ذلك الاب الذي كان الفيصل لكل خلاف، والقاضي لاي نزاع، حتى بين الاطفال من الاشقاء، الان لن يشعر اولئك الاطفال بوجود اي فرد له مقدرة على فض اي نزاع على لعبة ما اخذها الاخ من اخيه، او اي خلاف مهما كان سببه.
وتزيد الامور سوءا، عندما تبدأ مصادر الدخل بالنقصان والتقلص، وان علينا تغيير نمط حياتنا، فقد تضطر تلك الام التي كانت مدللة، وتكاد لاتغادر منزلها الا لزيارة اهلها او للخروج مع العائلة برفقة ذلك الاب لاي مكان للترفيه عنهم، عندما تجد نفسها مضطرة لدخول سوق العمل القاسي والكد والتعب لتأمين لقمة العيش لاطفالها واولادها.
او ربما يجد احد الابناء نفسه مضطرا للتضحية بمستقبله، وينقطع عن مقاعد الدراسة ليعمل بأي وظيفة لينفق على تلك الاسرة التي فقدت عمودها، وتزعزعت اساساتها وأصبحت معرضة للانهيار. هذا هو الاب، عماد الاسرة وكيانها وروحها وموجهها وحاميها. فليدم الله علينا جميعا آباؤنا وامهاتنا وليحفظهم من كل شر، ويرزقهم كل خير باذن اللـــــــــــــه، حيث لايشعر ولن يشعر بشعور فقدان الاب، الا من عاشه وطعن بخنجر فقدانه.

رائد شيكاخوا