غرايبة يصف صقور الجماعة بالتكفيريين المفتونين بافكار سيد قطب
علمت "مصادرد' ان وساطات من العيار الثقيل قد نجحت الاسبوع الماضي في تحقيق نوع من التهدئة السياسية، ووقف التراشق الكلامي والاعلامي بين جماعة الاخوان المسلمين ومجموعة زمزم المنشقة عنها.
وكانت حرب اعلامية ضارية قد اندلعت بين الجماعة والمجموعة، عقب قرار المحكمة المركزية الاخوانية، منتصف الشهر الماضي، بفصل الثالوث القيادي في مجموعة زمزم، وهم ارحيل غرايبة، ونبيل الكوفحي، وجميل دهيسات، بتهمة الانشقاق عبر اطلاق 'مبادرة زمزم'، يوم 2013/10/5 من طرف واحد، ودون التشاور مع القيادة الاخوانية.
وقالت المحكمة في بيان اصدرته بهذا الخصوص انه 'بعد استكمال الاجراءات والمداولات المتبعة، قررت المحكمة بالاجماع ان مبادرة زمزم تشكل مخالفة تنظيمية من حيث المبدأ مع تفاوت في تقدير درجة العقوبة.. وعملاً بنصوص لوائحها الخاصة اصدرت قرارها بايقاع عقوبة الفصل التنظيمي، حكماً اولياً قابلاً للاستئناف'.
وقال مراقب اسلامي متابع ومطلع ان عدداً من 'حكماء' الحركة الاسلامية قد تمكنوا من تطويق الخلافات التنظيمية والمهاترات الاعلامية بين الفريقين ولو الى حين، وان هؤلاء الحكماء يمارسون ضغوطاً متواصلة على القيادة الاخوانية التي يهيمن عليها جناح الصقور، لحملها على وقف حملة التعبئة والتحريض التنظيمية داخل الجماعة ضد قادة مجموعة زمزم، ووصفهم بانهم ينفذون اوامر ومخططات الدوائر الامنية، وذلك مقابل تشجيع واقناع هؤلاء القادة المفصولين على التقدم بطلب استئناف احكام فصلهم لدى محكمة الاستئناف الاخوانية التي تملك الغاء قرار الفصل واعتباره كما لم يكن.
وافاد هذا المراقب ان حالة التهدئة التنظيمية والاعلامية بين الطرفين لم تنه الجدل الدائر حالياً في اوساط الجماعة الاخوانية، وعلى مختلف مستوياتها القيادية والكادرية والقاعدية، حول مصلحة الجماعة في طرد او اعادة مجموعة زمزم، حيث تباينت الرؤى والاراء بهذا الخصوص بين اكثرية كادرية وقاعدية تطالب بضرورة الابقاء على فصل قادة زمزم من الجماعة، تلافياً لبقائهم كمخلب قط وعنصر تأزيم 'دائم داخل اوساطها وصفوفها، وبين اقلية عاقلة ومتزنة وطاعنة في السن والتجربة تدعو لاعادة الزمزميين الثلاثة الى رحاب الجماعة وضب طابق هذه الصراعات والخلافات الجانبية، توخياً لتوحيد الصف الاخواني في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الجماعات الاخوانية داخل الاردن وعلى غير صعيد عربي ودولي.
واكد هذا المراقب المقرب من جناح الصقور ان مئات الكوادر الاخوانية 'الصقورية' التي تتهم قادة مجموعة زمزم بالتحطيب في حبال الدوائر الحاكمة، وتطلق عليهم اسم 'مجموعة البيادر' حيث تقع دائرة المخابرات العامة، تعكف الآن على اعداد عرائض ومذكرات تحمل الاف التواقيع وتناشد المكتب التنفيذي للجماعة رفض ضغوط الحكماء التصالحية، وعدم الاستجابة لاية تسويات او مساومات او حلول وسطية مع المنشقين الزمزميين الذين استغلوا الاوضاع الاخوانية الصعبة، بعد اسقاط الرئيس محمد مرسي، فضربوا ضربتهم وفضحوا سريرتهم واشهروا مبادرتهم، وتوهموا ان الجماعة الاخوانية باتت آيلة للفوضى والانهيار، ومرشحة لاستتباعهم والالتحاق بركبهم.. الا ساء ما فعلوا ويفعلون.
الزمزميون لم يلقوا بالاً لتهديدات الكوادر الصقورية، فجاء ردهم التصعيدي من داخل قاعات مستشفى الاسراء التي شهدت يوم الخميس الماضي اجتماعاً لفرق مبادرة زمزم تمخض عن الشروع في تأسيس جمعية سياسية، واخرى خيرية تطوعية في مجال العمل الاجتماعي، وثالثة للاغاثة الطبية، علاوة على تأسيس واجهة شبابية.
وفي التفاصيل قال رحيل غرايبة ان المبادرة الزمزمية قد شرعت بتأسيس جمعية سياسية مرخصة من وزارة التنمية السياسية، وجمعية تطوعية خيرية في مجال العمل الاجتماعي مرخصة من وزارة التنمية الاجتماعية، مشدداً على ان المبادرة ليست بديلاً عن الدولة والمجتمع.
غرايبة انتقد حالة النشوة التي عاشتها جماعة الاخوان المسلمين في العالم عقب فوز محمد مرسي بانتخابات الرئاسة المصرية، علاوة على السخرية مما اعتبره وجود 'تيارات ما زالت تعيش حالة الوهم واعراض الحمل الكاذب'، ثم ما لبث ان رد بعنف شديد على تصريحات الصقور واتهاماتهم وقال انهم يحاولون تسطيح الامور بتصويرهم الخلاف بين الطرفين بأنه اداري واجرائي.
الغرايبة قال في مقال اعتبره المراقبون حاداً ومتجاوزاً لكل السقوف الاخوانية 'شرح الاختلاف يحتاج صفحات طويلة، ولكن ما ينبغي معرفته للباحثين عن الحقيقة يتمثل بعدة أمور.. اولها ينبثق من وجود عقلية لدى بعض أعضاء الفريق القيادي المؤثر في الجماعة لا تؤمن بمنهجية البناء والمشاركة والانفتاح على مكونات المجتمع، وتتبنى فكرة تكفير الأنظمة والمجتمعات، وتستخدم مصطلح (جاهلية المجتمعات)، بمعنى أننا لا نعيش في 'دار اسلام' لأن الدار تأخذ مسماها من 'نظام الحكم'، وهذا مكتوب ومدوّن يمكن الرجوع اليه، وبناءً على ذلك صدرت كتب تحرّم المشاركة في الأنظمة التي لا تحكم بما أنزل الله، وهذا يمثل إطاراً فكرياً وعقدياً لمدرسة إخوانية حكمت مسيرة الجماعة لمدة عقود، منذ أوائل السبعينيات إلى أوائل التسعينيات، والتي استطاعت أن تحوّل مفهوم 'العزلة الشعورية' عند سيد قطب إلى عزلة مادية حقيقية، تمتهن التقيّة والتكتيك، والخطاب المزدوج.. هذه المدرسة التي ازدهرت في العقود السابقة، عادت إلى سدة القيادة مرة أخرى عبر تحالفات جديدة، وتكتيكات مختلفة، وخطاب يحاول إخفاء بعض المصطلحات الحادة'.
زكي بني ارشيد، نائب المراقب العام لجماعة الاخوان، لم يكن اقل حدية من الغرايبة، حين اكد في احد مقالاته، ان العبرة بالمعنى وليس بالمبنى، وبالمضمون والجوهر، لا بالشكل والمظهر، فكم من المصطلحات الجميلة حملت في ثناياها سماً ناقعاً وضرراً مدمراً، وكم من باطل نحت لنفسه كلمات براقة وعناوين جذابة ؟ وصدق فيه القول 'كلمة حق أريد بها باطل'، الى ذلك فقد أُخذ البعض الى درجة الاستلاب بمصطلحات المراجعة والتجديد والتنوير والعصرنة.. الخ وفي كل مرة ينخلع من هويته ويتخلى عن ثوابته'.
ويمعن بني ارشيد في نقده الشديد الى ان يقول ' عندما اقرأ تلك الديباجات والمبادرات وما يسمى بـ 'المراجعات العميقة والجذرية'، وبخاصة عند اقحام بعض الكلمات والمصطلحات اشعر بان الخطاب يقدم اوراق اعتماد اصحابه لجهات سيادية لغاية الحصول على تأشيرة الدخول الى حظيرة السلطة والنفوذ'.
بصرف النظر عن القصف المتبادل بين الطرفين - تصريحات واتهامات وتسريبات - ثمة توجه الى تسعير الصراع وتصعيده الى درجة تصل حد العصيان التنظيمي ما لم تتراجع الجماعة عن فصل الزمزميين الثلاثة، اذ حملت التقارير الصحفية خبراً عن اجتماع عقد في اربد في بيت القيادي الزمزمي د. نبيل الكوفحي دام ثلاث ساعات هدد فيه المجتمعون بتنفيذ خطوات تصعيدية تتضمن 'اعلان الشلل التنظيمي' مثل عدم دفع الاشتراكات ورفض المشاركة بالفعاليات التي تدعو اليها الجماعة، وطرح الثقة بالمكتب التنفيذي للجماعة، واعلان اعتصام تنظيمي لكل الشعب في البلاد ينفذ ضمن موعد محدد.
ولعل مما يحول الازمة الاخوانية الى ورطة غير قابلة للحل وغير مسبوقة في تاريخ الجماعة بالاردن، تواتر الاخبار والتقارير عن اجتماعات ضمت قيادات اخوانية بارزة محسوبة على تيار الحمائم ابرزهم د. عبداللطيف عربيات، قررت فيه مطالبة المكتب التنفيذي للجماعة بالغاء الاحكام الصادرة عن المحكمة الاخوانية بفصل قيادات زمزم، وسحب هذه الاحكام من ملفاتهم، مهددة باجراءات تصعيدية في حال عدم الاستجابة لمطلبها، من بينها طرح الثقة بالمكتب التنفيذي للجماعة.