إقليم ملتهب وهواجس اقتصادية مرتقبة!
لا يبدو أن الخطر قد غادر إقليمنا الملتهب، فهو يطل برأسه لينغص كل أشكال الحياة فيها. وحتى الدول التي حققت استقرارا نسبيا أفضل، وتشهد أمنا حقيقيا، ليست بمعزل عن أثر التقلبات الخارجية على الواقع الاقتصادي الذي يتعرض لنزف من الخسارات لا تُعرف له نهاية.
والحالة هذه، يبدو حديث رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، الأسبوع الماضي، عن أن الأردن "تجاوز منطقة الخطر الاقتصادي" غير دقيق. وفي تقديري أن الارتفاع الهامشي لمعدل النمو لا يحمل دلالات كبيرة، ومثله الإفراط في الحديث عن تضاعف رقم الاحتياطي من العملات الأجنبية، والذي تجاوز 12 مليار دولار العام الماضي. وكان الأجدى التركيز على المديونية التي لا أعتقد أن تخطيها لمستوى 28 مليار دولار يساعد في نشر الاسترخاء في أوساط الأردنيين.
من الواضح أن عبء الأمن يلقي بظلال ثقيلة على الاقتصاد. ولا يرغب كثير من الساسة في النظر إلى الأمور من زوايا تبدو مظلمة، بفعل أثرها السلبي في الاقتصاد.
فالعلاقة مع ليبيا بشقها الاقتصادي دخلت مراحل قلق وعدم يقين، ما سيعمل على إشاعة ملامح التوتر لدى رجال الأعمال والمستثمرين أو المنتفعين من هذه العلاقة بين الجانبين. والحالة الأمنية التي تمر فيها ليبيا تشير إلى أن المسألة تحتاج إلى وقت ربما يطول من أجل بناء أسس جديدة في شكل ومضمون الأمن، تمهيدا لفتح الطريق أمام تحرك الاقتصاد.
وفي العراق، لا يجرؤ أحد على الحديث في الاقتصاد ومفاعيله، في ظل انتشار السلاح واستمرار القتل. وتزايد الاحتقان في هذا البلد سيقلص شبكة علاقتنا الاقتصادية معه إلى أدنى مستوياتها في الأشهر المقبلة.
وبعد أن سدت طريق الشام أيضا في وجوه الأردنيين، ودخول سورية في عام رابع من القتل والخراب والتشريد، فلا ملامح في الأفق لفرص اقتصادية يسعى من خلالها أبناء المناطق الشمالية في الأردن إلى تعويض ما فاتهم، أو التكيف مع ظروف يبدو أنها ستكون أكثر قسوة في الأشهر المقبلة، لاسيما وأن نظام الأسد يتأهب لجولة حكم جديدة، ستكون حتما مضمخة بالقتل والتشريد وتوسيع عبء اللجوء على الأردن وغيره من دول الجوار السوري.
والحالة في لبنان تصب في ذات المعنى؛ إذ يرتفع منسوب المخاطرة في أي نشاط اقتصادي بين عمان وبيروت. ولا يساعد إنكار ذلك في حلحلة التجارة البينية الآخذة في التراجع منذ دخول لبنان قبل ثلاثة أعوام على خط الأزمة في سورية. أما مصر، فهي في حالة عدم يقين سياسي وأمني، ربما تستمر في ظل اضطرابات أمنية تعيق نمو الاقتصاد المصري، كما تعيق أي علاقة إيجابية مع هذا الاقتصاد.
تجاوز الخطر الاقتصادي لا يكون باستدلال سريع ببضعة أرقام، فيما المنطقة من حولنا تتأرجح على صفيح ساخن. وتجاوز هذا الخطر يتولد من خلال إحساس عميق يشعر به المواطن والمستهلك في تفاصيل يومه، ويثبت له في نهاية اليوم أن الدينار يحتفظ بقوة شرائية، أو أن تلك القوة في مستويات متدنية.