بورصة عمان.. كرة الثلج من جديد
شاء من شاء، وأبى من أبى، فإن النزعة الفردية هي التي تحكم توجهات بورصة عمان، والتي تصنف بأنها "سوق مبتدئة".
هذا الكلام معروف لدى كثيرين. لكن مناسبة الكتابة فيه هي ما جرى خلال الأسبوع الماضي، وامتدت ذيوله إلى بداية الأسبوع الحالي؛ من غياب لأحد المستثمرين الكبار وفقدان الاتصال به، لأن هاتفه خارج التغطية.
ليس هذا مزاحاً. نعم، قام مستثمر كبير مؤثر بتحالفاته، بإغلاق هاتفه الخلوي، وترك محافظه المالية التي يديرها في بورصة عمان من دون أي اتصال مع الوسطاء الذين يتعامل معهم، ما جعلهم يضربون "أخماساً بأسداس". وبعد ثلاثة أيام من انقطاع الاتصال مع مستثمرهم، اضطر الوسطاء إلى عرض الكميات تدريجياً، حتى أصبحت كبيرة على شاشات التداول، فيبدأ بعد ذلك نزف الأثمان ونزول الضمانات، من دون أن يقابلها أي طلب. وقد كان ذلك أمراً متوقعاً لدى أولئك الوسطاء سلفاً، بحكم الخبرة المتراكمة بالأزمات منذ تفجر الأزمة المالية العالمية في العام 2008.
لا مبالغة في القول إن هناك بعض المستثمرين الذين لو أصيب أحدهم بالزكام لأدى ذلك إلى هبوط بورصة عمان. والسبب أن حجم التداول الفعلي للسوق، من دون المناقلات بالصافي، لا يتجاوز 500 ألف دينار.
الحادث المذكور هو مجرد مثال على المشكلات التي تصادفها مكاتب الوساطة والمستثمرون والمتعاملون ممن عاصروا الهبوط، واعتادوا على ما صاحبه من مصائب. وقد اعتادت شركات الوساطة تحديداً على الحجوزات وسحب الأوراق المالية التي تكون مولتها للعملاء من حوزتها، جراء الأحكام القضائية التي تصدر بحق هؤلاء العملاء.
الذي يعرف بورصة عمان في الوقت الراهن، يعرف أن حالة العزوف ونقص الثقة هي سيدة الموقف في قرارات المستثمرين. فكلما كان هناك توجه لدى هيئة الأوراق المالية للقيام بإصلاحات، احتج أصحاب الأصوات المرتفعة بأن السوق شحيحة السيولة، ولا تحتمل اتخاذ قرارات، وكأن الاستثمار واقف ينتظر على الأبواب.
إنهم لا يريدون التعامل النقدي، ويرفضون إجراء أي تغيير يمكن أن يحسن تصنيف سوق رأس المال، ويعزز بالتالي جاذبيتها. ولعل من المقترحات التي يمكن أن تذهب هيئة الأوراق المالية إليها سريعاً، ترك مسألة التعامل النقدي لبعض الوقت، وتحديد سقوف التداول لمكاتب الوساطة المالية؛ حتى تضبط إيقاع المخاطر، وتجعل علاقة الوسيط بعميله، وبالتالي تنحصر تعاملات الهيئة بسقف التداول وقدراته المالية في المرحلة الأولى.
ما مرت به بورصة عمان خلال أكثر من عقد من الزمان، هو نتيجة لأنها تُركت من دون تطوير أو تحديث، ورافق ذلك فقدان دائرة مراقبة الشركات السيطرة على الشركات المساهمة العامة، والاكتفاء بدور التسجيل.
من الواجب توفير سياسات متوسطة وطويلة المدى، تصب في مصلحة الاستثمار المؤسسي في سوق رأس المال. وقد حان الوقت للبدء بتهيئة القنوات المتخصصة والمسؤولة عن إدارة ادخارات المستثمرين، بدلاً من إتاحة المجال لنشوب النزاعات الفردية ومواجهة تأثيراتها.
ينبغي الإسراع في إقرار قانون الأوراق المالية المعدل. وعلى السلطتين التنفيذية والتشريعية التشارك مع هيئة الأوراق المالية والقطاع الخاص المعني بالأسهم في إنجاز هذا القانون، ومنحه الأولوية للنهوض بصناعة الأوراق المالية في المملكة، واللحاق بركب أسواق المنطقة الأخرى التي تجاوزت أدنى مستوياتها منذ العام 2008، وأصبحت تحقق المكاسب.