تعويض الساكنين في دابوق !!!
قبل ايام وسائق التاكسي يعبر الطريق من الفحيص باتجاه دابوق،يثرثر السائق بعصبية ولعاب لسانه الرطب يتطاير في وجهي،فوق رائحة السجائر القاتلة.
يؤشر بيده بثورية بالغة الى قصور وفلل دابوق مطالبا إياي التأمل في حجم الفساد والفاسدين في البلد،الذين بنوا هذه القصور والفلل من ماله ومال الفقراء بالضرورة،متوعدا اياهم بيوم لا يبقى فيه حجر على حجر،وان يجتاح شخصيا هذه البيوت من اجل الغنائم.
طوال الطريق وانا احاول اقناعه بأن ليس كل من سكن في منطقة فخمة فاسد بالضرورة،فلا يستوعب،فالغضب يعمي البصيرة،وجيب الرجل فارغ ومثقوب.
دابوق باتت مضربا للمثل،واذ احاول افهامه ان هناك منهم من ورث ارضا وهناك من شقي وتعب،وهناك من اغترب وهاجر،فلا يصدق،فكل بيت في دابوق برأيه،رمز للشر وللفساد،ولابد من ان يأتي يوم يتم فيه تحرير هذه المناطق.
هي قضية التحاسد التي ولدها الفقر الشديد،واذا كان هناك فاسدون في دابوق،قيمة بيوتهم عشرات اضعاف قيمة رواتبهم في الوظيفة العامة،فهذا لا يعني اتهام كل ميسور،بأنه فاسد.
كثرة من الميسورين تتصدق لوجه الله سرا وعلنا،ولا تتباهى بأفعالها،بل تبقى قابلة للاتهام،صابرة عليه،بدلا من الرد واشهار معروفها.
في جانب من جوانب مكافحة الفساد اختلطت الامور،فكل مسؤول فاسد،وكل صاحب بيت فخم فاسد،وكل من يسكن دابوق فاسد،وهذا خلط غير موضوعي،يجعل الحياة رهيبة،وغير معقولة،وبحيث تصبح دابوق رمزا للشر في البلد.
لعل من فيها يرفعون دعاوى قضائية يطالبون بتعويضات عن سوء السمعة،فيما عقاراتهم لم تعد تساوي ربع قيمتها،امام اتهام من فيها مسبقا ودون تدقيق،بكون مالهم حرام.
مثلما ننحاز لفقراء الناس ونحتج بشدة على سحق الطبقة الوسطى والحاقها بالطبقة الفقيرة،وحالة الغلاء التي حرقت الناس،فان هذا الانحياز لا يعني بالضرورة ان نصب نقمتنا على الميسور،فهذا حقد وتحاسد،خصوصا،اذا كان ماله حلالا.
لا احد قادر على الحكم مسبقا على اصل مال كل واحد،ومحاربة الفساد خلقت ذهنية جديدة،تشكك في كل شخص،وتحرق سمعة كل شخص،وتعتبر ان كل نعمة اصلها حرام،وهذا غريب حقا،غير انه الفقر الذي يعطل العقل والحواس معا.
في الاردن اسماء ميسورة تاريخيا،وهناك طبقة جديدة استجدت على الثراء جراء الاغتراب او تجارة الارض و غير ذلك من تجارة.
هناك طبقة اثرت بشكل مفاجئ،وهذه الطبقة مريبة حقا،لان فيها من نام حافيا،واستيقظ مليونيرا،وهؤلاء نعرفهم اجتماعيا وثرواتهم غير مبررة مهما قالوا،فالنبش عن الذهب في الاردن لا يأتينا بكل هذه الاعداد من الاغنياء الجدد.
في الاردن لا اخاف ابدا من اشتباك على اساس الدين او المذهب او الاصول والمنابت،فكل هذا الخوف غير مبرر.
والخوف لدينا هو من الاشتباك على اساس اقتصادي اجتماعي طبقي،لان الفقر طحن الناس،وجعلهم لا يفرقون بين فاسد وميسور.
في شعارات الربيع العربي التي سمعناها توعد لدابوق وساكنيها،وهكذا تتحول هذه المنطقة الى لعنة على من فيها،وكأن المطلوب ان يسكن المرء كهفا حتى يداري عيون الناس،وظنونهم،لكنها الدهماء اذ لا تفرق عند الغضب بين فلان وعلان،وسط مظالم اجتماعية كارثية.
على سيرة دابوق،لعلها نصيحة لمن فيها،ان يرحلوا منها،وان يتبرعوا ببيوتهم،لان ثقافة الظن والشك والكراهية جراء الظلم والفقر،خطيرة جدا،والفقر في البلد اذا انفجر فسوف يحرق الاخضر واليابس،الحلال والحرام.
ستصير لحظتها النعمة سببا في جلب البلاءات على اصحاب النعمة،وفيهم من ماله حلال،ويعلم طلبة ايتام،ويتصدق ويخاف الله،غير ان كل هذا لن يصمد،لان غضب الفقراء،اذا انفجر لن ينتظر كشفا من فلان بما فعله لله،وبأصل ماله،والانفلات هنا سيكون اعمى،للاسف الشديد.
ابوذر الغفاري يقول انه يعجب لمن لم يجد قوت يومه اذا لم يخرج شاهرا سيفه على الناس،وفي مقولته شرعنة تاريخية للرد على الظلم بالظلم،وإباحة الدم،عند الجوع.
هذا كل ما نخشاه حقا،وعلى العقلاء ان يصحوا قليلا لحال الناس المتدهور.