تنفيذ إتفاق المصالحة
بعد الفشل الفاقع في خياراتهما الأحادية ، لم يعد أمام الطرفين ، سوى إقتناص الفرصة ، للتفاهم وصولاً إلى الأتفاق ، على طريق التراجع عن الإنقلاب ، وإنهاء الإنقسام ، وإستعادة الوحدة الوطنية ، وهو السلاح الأقوى المجرب لدى كل الشعوب ، وحركات التحرير ، لتحقيق الأهداف السياسية ، بما فيها تجربة الشعب العربي الفلسطيني نفسه ، عبر محطات الوحدة والإنقسام الذي مر بها خلال نضاله ، ومسيرة منظمة التحرير الطويلة ، وفي أتون المواجهات التي خاضتها ضد الأشقاء والأصدقاء وضد العدو ، وحققت من خلالها إنجازات : إستعادة الهوية الوطنية ، والتمثيل المستقل ، والأقرار بحقوق الشعب الفلسطيني ، وإعادة العنوان الفلسطيني إلى جذوره على أرض الوطن بعد الإنتفاضة المدنية الأولى عام 87 ، وبعد الإنتفاضة المسلحة الثانية عام 2000 ، بعد أن كان المنفى هو العنوان ، وفي شتاته كانت قيادة العمل الفلسطيني .
حركة فتح ، وعلى رأسها الرئيس أبو مازن لديها مصلحة في تحقيق خطوات المصالحة ، فعلى المستوى الشخصي ، يرغب الرئيس في إنهاء الإنقسام لأنه وقع في عهده عام 2007 ، وله مصلحة ذاتية في إنهائه ، وطي صفحته السوداء ، وهو ما زال رئيساً وفي عهد ولايته ، وله مصلحة وطنية ، لأنه يعزز الموقف التفاوضي الفلسطيني أمام العدو الإسرائيلي المتفوق ، إضافة إلى أنه رافعة معنوية ومادية للشعب الفلسطيني ، المكبل بعوامل لا تُوفر للأن التجاوب مع نداءات الإنتفاضة الشعبية المدنية ، لأن الإنقسام ، يحد من توحيد الشارع الفلسطيني ، ويحول دون إطلاق مبادراته ، في وجه الإحتلال والإستيطان .
لقد توغل أبو مازن بالمفاوضات ، ولكنها لم تحقق إختراقاً في موقف حكومة المستوطنين الإحتلالية ، لأن برنامج حكومة نتنياهو يقوم على الإستيطان والتوسع والضم التدريجي ، عبر تهويد القدس ، وأسرلة الغور ، وتمزيق الضفة الفلسطينية ، وجعلها طاردة لأهلها ، لا تستجيب لمشروع التسوية القائم على حل الدولتين .
فشل المفاوضات هو الهاجس غير المرئي لتوجهات أبو مازن وإلحاحه ، وإستجابة لمطالب الفصائل نحو إنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة ، ولذلك كان الوفد الخماسي ( الأحمد ، البرغوثي ، شحادة ، الصالحي والمصري ) إلى قطاع غزة هو القوة الخفية لتمثيل قاعدة الشراكة ، وهو الضمانة للحفاظ على الهيبة ، وعلى المصداقية ، وعلى الروح المعنوية المطلوبة ، رداً على خطوات نتنياهو في 1- عدم الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى ، و2- عدم الإلتزام بالوقف غير المعلن للإستطيان ، ولذلك لا أمل يرتجى من هكذا رهان ، سواء تم تمديد المفاوضات ، أو تم تجميدها ، فالفعل الفلسطيني هو الأساس ، وعليه الرهان ، وليس على أي عامل أخر مهما كانت درجة أهميته ، هذا ما أفادت به تجربة الشعب الفلسطيني ، في الإنتفاضة الأولى عام 87 وأثمرت عن إتفاق أوسلو ، وهذا ما دللت عليه الإنتفاضة الثانية عام 2000 ، وأثمرت عن رحيل جيش الإحتلال والمستوطنات عن قطاع غزة عام 2005 ، وسواء إتفقنا أو إختلفنا على تقييم التجربتين ، فقد حققتا إنجازات ملموسة ، بينما أخفقت تجارب التفاوض من تحقيق نتائج سواء في كامب ديفيد 2000 ، أو أنابوليس 2007 ، أو عمان 2012 ، أو في واشنطن في عهد ولاية أوباما الأولى 2009 – 2013 .
مقبلون على إستحقاقات وطنية داخلية كبرى ، أساسها الإنتخابات ، إنتخابات رئيس الدولة ، وليس رئيس السلطة ، فالسلطة تعني الحكومة ، ولذلك لا ضرورة للإزدواجية ، فالحكومة والسلطة مفردتان لمضمون واحد ، ولذلك يجب إلغاء كلمة وشعار ومفهوم وعنوان السلطة ورموزها ، كي تتمثل السلطة التنفيذية لمشروع الدولة الفلسطينية بالموقعين فقط وهما : رئيس الدولة ، ورئيس الحكومة وإلغاء منصب رئيس السلطة ، إضافة إلى إنتخابات المجلس التشريعي ، وهذا يتطلب التوافق الوطني في مواجهة سياسات وإجراءات حكومة الإحتلال الإستيطانية التي قد تمنع إجراء الإنتخابات في القدس ، مما يتطلب التفاهم وإقرار قانون التمثيل النسبي غير الجغرافي ، وموافقة الكل الفلسطيني على القانون والإجراء وتنفيذ الإستحقاق الوطني الدستوري ، وتجديد شرعية المؤسسات التي إنتهت ولايتها .
حركة حماس من جهتها تحتاج للتفاهم والإتفاق الذي وقع يوم 24/4/2014 ، لأكثر من سبب :
أولاً : فشل إدارتها لقطاع غزة المحاصر والجائع ، فهي لم تستطع 1- مواصلة طريق المقاومة وخياراتها ، وإختارت تفاهمات القاهرة طريقاً وأسلوباً للتهدئة ووقف إطلاق النار ، وتردع كل من يحاول خرق التهدئة ، وقد جددت تفاهمات القاهرة الشهر الماضي بدون ضجيج ، كما فشلت في تحقيق 2- نموذج وطني ناجح لسلطة وطنية تتفوق على ما حصل في الضفة الفلسطينية ، ففي إدارة الضفة ، ثمة تفاهم وطني وتحالف سياسي عريض تقوده حركة فتح ، بينما إدارة قطاع غزة أحادية حزبية مغلقة من لون واحد وحيد ، وكلاهما 1- فشل برنامج المقاومة ، و 2- فشل برنامج التنمية والتطوير وإشباع حاجات المواطنيين وعدم توفير مطالبهم وعدم القدرة على تلبية إحتياجاتهم المعيشية والسياسية والإقتصادية والمالية – شكلا العامل الضاغط في تأكيد عنوان فشل حركة حماس الصارخ في إدارة قطاع غزة .
ثانياً : لقد صد إغلاق الأنفاق عمليات التهريب وتوفير مدخول مالي غطى إحتياجات حماس طوال سنوات الأنقلاب ، والأغلاق تم بفعل قرار سياسي مصري ، إنعكس سلباً على قدرات حكومة حماس وإنحسار تأثيرها .
ثالثاً : فشل حركة الإخوان المسلمين في مصر وليبيا وسوريا وتونس واليمن ، وتأثير ذلك على حركة حماس ، بإعتبارها المرجعية السياسية والفكرية والحزبية الأولى لحركة حماس ، مما أفقد حركة حماس رافعة قوية كانت توفر لها الأسناد والدعم ، وأدى إلى فقدان الغطاء الذي كان متوفراً لها من قبل حركة الإخوان المسلمين ، كأكبر وأقوى حركة سياسية عابرة للحدود في العالم العربي .
قرار حركة حماس ، بقبول تنفيذ خطوات إتفاقي القاهرة والدوحة ، سواء بقبول تشكيل حكومة كفاءات وطنية غير حزبية ، أو قبول فكرة إجراء الإنتخابات وتجديد شرعية الرئيس والمجلس التشريعي ، لن يلغي نفوذ حركة حماس لدى الأجهزة الأمنية والإدارية القائمة في قطاع غزة من حزيران 2007 ، حيث ستبقى متمسكة بها ، بل وستعمل على تشريعها لجعلها جزءاً من النسيج الأداري والأمني للسلطة الفلسطينية الموحدة .
h.faraneh@yahoo.com