القوى الاجدر بالمشاركة

من الطبيعي ان يكثر المحللون والناصحون في زمن الازمات، لكن من غير الطبيعي ان لا تكون كلماتهم وافكارهم واراءهم امينة، لان الامر هنا سيان فيما اذا كانت تصدر عن حسن نية او عن سوءها، فالنتيجة واحدة، وفي كثير من الاحيان يستحيل الاستدراك والعلاج، لتفعيل قولة ان من اجتهد واصاب فله اجران ومن اجتهد واخطأ فله اجر واحد.
وُيدفع الامر الى حد من هذه الاهمية عندما يكون موضوع التناول هو من صنف المواضيع المصيرية، التي يعني ارتكاب حماقة بشأنها او اي من مفاصلها، الدفع باتجاه كارثة وطنية جذرية، يكون لهوية الوطن فيها موقعا ذو شبهة، ان لم يكن محسوما نحو الانقلاب وربما الانكفاء الى ما دون القائم.
نعم الاردن جزء من التشكيل الاقليمي الذي انتقل من درجة تلظى بدأها منذ اكثر من عقد الى درجة بات جسد وحدات النظام العربي اليوم معها ُتشتم له رائحة احتراق زاكمة، ونعم ان الاردن ليس عصيا على التغيير، بل انه ضرورة البقاء والتجديد والاستمرار، ونعم ان النظام في الاردن ادخل الدولة والمجتمع دائرة ازمة مغلقة، يتسع شعاعها دون امل في اختراق جداره، وهناك الاكثر والاكثر.
ولهذا فان التوصيف بامكانية التجاوز والقفز عن الواقع، ان لم يقع في اطار من الانتهازية السياسية الرخيصة او في نوع من السذاجة والبلاهة، فانه حتما شكلا من اشكال التآمر على مصير الوطن، لان اختزال الازمة بطريقة من المعالجة الاستباقية التي تتموضع في سياق تعظيم قدرات الافراد، هي محاولات خبيثة ولئيمة لتوريط هؤلاء الافراد واحراق سفنهم من ناحية، ولاطالة عمر الازمة لكي تخرج عن نطاق اية سيطرة، ووضعها خارج زمنها من ناحية ثانية.
فهل صحيح مثلا ان يعني انيهار حكومة الدكتور معروف البخيت ولوج الاردن الازمة  والسير نحو الهاوية، وان نجاحه يمثل طوق النجاة ؟ وهل صحيح ان بمقدور عبد الرؤوف الروابدة وعبد الهادي المجالي وغيرهما من رجالات الاردن الكبار، ان افرادا، او خيارات سياسية، وفق معادلات ماضوية ان يتجاوزوا واقع تطور الهوية الوطنية الاردنية، وان يعودا بالتاريخ الى ربيع عبور الازمات بنجاح ؟.
بدون تلاعب بالعواطف، الاجابة لا، فما يشهده النظام الاقليمي العربي هو نتاج طبيعي لازمة سلطة الدولة الوطنية العربية، التي تحولت الى سلطة افراد تغولت على الدولة واجهزتها بنفس القدر الذي تغولت به على المجتمع وبناه المدنية، بصور عجزت معها عقليات صناع القرار المحنطة عن الارتقاء الى فهم اثر متغير مفهوم الزمن على وعي الجيل الجديد من الشباب، والاردن هنا جزء من الكرة الارضية، لا من المريخ.
واذا اضيف الى ذلك، الاشارة الى تعرض السلطة الاردنية لموجة من الغزوات التترية، حيث تم استقطاب وفي كثير من الاحيان استجلاب جيل من اللاوطنيين الذين ترتبط مصالحهم بحركة رؤوس اموالهم، وما نتج عن ذلك من استشراء لاشكال فضة من الفساد المتوحش، والذي كان للاردن نصيب فيه كبقية دول المنطقة، فان ذلك يعني ان ابواب الازمة اوسع من ان تتمكن منكبي اي رجل من سدها.
ولذا فان النقاش الوطني هو النقاش الذي لا يهدف الى ذر الرماد في العيون، بل بالوقوف على حقيقة الازمة والعمل على ملاقاتها في اي نقطة تؤدي اليها محصلة قوة الدفع المتبادلة والتي نرجوا ان يكون جزئها الاكبر في مناطق اللاتسارع، بما يمكننا من الاتجاه بها الى المنحدرات الاقل تدهورا.
وهذا بالذات ما يستوجب الاسراع باعادة النظر في تحديد موقعنا على خارطة حركة اعصار المنطقة الذي يفاجئنا في كل مرة بظهور يأخذ شكلا اكثر سرعة واشد تحولا واعمق ايلاما، واعادة النظر بالقوى التي يمكن الارتكاز اليها في مواجهة الازمة، وهي قوى بالضرورة وحتما يجب ان تكون ممن لا خيارات امامها الا الصمود، بالاضافة الى انها من تلك التي تكون افرازا للجدي وروحه، وهي القوى الاجدر بالمشاركة.
جازي الجازي