الرقاصة والفيلسوف !

ا
بسام الياسين
جلس الفيلسوف الاصلع على المقعد الوثير في «فيلا» الراقصة محاسن.خلع نظارته السميكة . القى كتابه "جمهورية افلاطون، وبعض اوراقه جانبا، ثم راح ينفث دخان سيجارته في جميع الاتجاهات. ما هي الا لحظات حتى هبت نسمة عطر ثقيل تعلن عن قدوم الراقصة، وبيدها زجاجة نبيذ معتق، وكأس من الكريستال. وضعت "العدة" امامها، فيما كانت ترتدي لباساً "محتشماً" يمكن ان تطويه في علبة كبريت بسهولة .بعد ترحيب مختصر.
قالت الرقاصة: تشرب ايه "يا حبة عيني". فرد عليها : "وجعلنا من الماء كل شيء حي" ثم اخذ يعب من زجاجة صغيرة مكتوب عليها : ماء "ايفيان الفرنسي" الافضل في العالم،كانت موجودة على الطاولة قبل دخوله : وحين افرغ ما في الزجاجة في جوفه كجمل لم يشرب منذ شهور.التفت نحوه وقالت له بدلع :
*: انا عايزة افهم يا سي افلاطون ليش عمالك تهاجم الرقص الشرقي،كأنه في بينك وبينه ثأر مزمن وحقد دفين ام هناك عقدة مخبوءة في داخلك تريد تفريغها باتجاه الرقاصات!.
- الفيلسوف: لا..يا ستي: انا رجل حضاري تحت القانون،و لا أؤمن مطلقاً بالثأر، كما انني خالٍ من العقد النفسية،لان علم النفس ملعبي وتخصصي،واستطيع مساعدتك ان كنت تعاني من مشكلة ما. لكن الرقص الشرقي فن رخيص،هو اقرب للرزالة منه الى أي باب من ابواب الثقافة، لما يحمله من اثارة جنسية، باسلوب بدائي مبتذل.حركات غير مدروسة لا تندرج تحت الفن،بل هي عبث مرفوض يا محاسن.
*الراقصة : لا..يا سي افلاطون ...الرقص فن محترم سواء كان هزاً للبطن او تزحلقاً على الجليد .لا فرق اذا هزت "الراقصة المحترمة" خصرها في ملهى ليلي او مسرح باليه دولي او مهرجان جرش ـ كله هز ـ .
- الفيلسوف: ارفض هذا الطرح السوقي للفن . فالباليه لغة تعبيرية ولوحة فنية جميلة لها شروطها ومدارسها وتحتاج الى تمارين مكثفة وشاقة وليونة غير عادية.لذلك يبدأ تعلم البالية منذ الطفولة،وتتوقف في مرحلة مبكرة من العمر ايضا، بينما الرقص الشرقي خارج على كل القوانين. مجرد حركات تتناغم فيها هز الارداف مع ضربات طبل اجوف،هدفها تفجير شهوة سفلية وغريزة دونية.
*الراقصة : الله عليك " يا بو عقل جنان"، الفيلسوف ده، مخه ضارب يا ناس .الرقص هو الرقص. تعال شوف الناس في الكباريهات فوق بعضها،وما فيش طاولة فاضية،و روح تفرج على المكتبات جرداء مثل صلعتك،و فاضية زي جيبتك.
ـ الفيلسوف: صحيح يا محاسن ان رواد المتعة كثيرون جدا،بينما اصحاب الفكر قليلون، لكنهم خالدون.
* الراقصة: لا مش صحيح "يا دلعدي".. سامية جمال وتحية كاريوكا و فيفي عبدة ونجوى فؤاد – حيظلوا – اهرامات حتى لو صارت عظامهم مكاحل، مش زي الكُتاب والفلاسفة اللي وجوهم تجيب الفقر من آخر الدنيا.
ـ الفيلسوف : صحيح يا سيدتي ان الراقصة اكثر دخلاً من الكاتب والفيلسوف ودكتور الجامعة ،و حتى العالم النووي مع انها لا تبذل جهدا سوى هز بطنها وتعرية صدرها،انما الحقيقة انها معادلة مقلوبة ومغلوطة.
* الراقصة: "يا خواتي” الفيلسوف ده عقله لسع.. إحنا بنتعب ونشقى طول الليل،ونفتح قناني حتى وش الصبح، و بس والنبي الفلاسفة دول بتوع اونطة وشغل كلام ،لو تعمل معروف معاهم، و تجيبهم عندي يلموا النقطة بالكباريه من تحتي،علشان ياكلوا لقمة حلوة زي العسل.
ـ الفيلسوف : من المؤسف ان الحياة كتبت على الفلاسفة والمفكرين و اهل القلم الفقر وهذا قمة الظلم.
* الراقصة : دا انت عملت لي صداع. ما هو كله "يا حبة عيني بيرقص” .. السياسي بيرقص،والنائب بيرقص، والكاتب بيرقص، والمثقف بيرقص،والمعارضة بترقص ،والموالاة بترقص... ما تيجي نرقص و بلاش فلسفة.
الفيلسوف: تمام يا فندم.. هاتي منديلا يا محاسن ، واربطيه على خصري حتى اهز لكِ على رائعة نزار القباني "انا يا صديقةُ متعبٌ بعروبتي / فهل العروبةُ لعنةُ وعقابُ ":
ما الشعرُ؟ ما وجعُ الكتابةِ ؟
ما الرؤى ؟!
أُولى ضحايانا هم الكتابُ
في عصرِ زيتِ الكازِ....
يطلبُ شاعرٌ ثوباً
وترفلُ في الحريرِ قحابُ.
مدونة بسام الياسين