رحيل النسور من عدمه

أخبار البلد - محمد علاونة
من الأمثال الغريبة التي تداولها الناس عبر الزمن أنك لو كررت شيئا أربعين مرة لأصبح حقيقة، مثل أن تتكرر إشاعة أو كذبة أو فعلًا معينًا أكثر من 40 مرة، فإنها تصبح واقعا يتم التعامل معه فيما بعد كوجود حتى لو كان مجرد خيال.
تلك المقولة سقطت في عهد رئيس الوزراء عبد الله النسور، إذ جرت العادة بعد مرور نحو عام على تكليف أي رئيس وزراء بدء الحديث عن رحيل الحكومة أو تعديلها، وتبدأ الصالونات السياسية تسرب المعلومات حتى من مصادر عليا، وهو ما حدث فعلا أكثر من 40 مرة في عهد النسور.
لكن الرجل باق وتم تكليفه بحكومة ثانية بعد مرور أشهر على تكليفه في الأولى، وكانت حكومته الأكثر جدلا، على الأقل شعبيا بعد قرارات تعلقت بالضرائب، وتحرير أسعار السلع والخدمات، مع التأكيد أن في حكومته وزراء وإن كانوا محدودين يعملون بصدق وأمانة مثل وزراء: التربية والتعليم محمد الذنيبات، والمياه والري حازم الناصر، والبيئة طاهر الشخشير.
هؤلاء تركوا بصمات واضحة في مواضيع التوجيهي، وإصلاح منظومة التعليم، ومحاربة الاعتداءات على المياه، وتحسين جودتها، ومكافأة الموظفين المُجدِّين، متوقعا منهم المزيد ضمن خطط شاملة، تنفيذها لا يتناقض وأقوالهم، وسط استغراب من قدرتهم على الصمود بعكس وزراء استسلموا من أول جولة.
لم يعد لرحيل النسور أو بقائه أي قيمة في ظل معطيين؛ الأول: عدم وجود بديل؛ كون الوجوه تكررت أكثر من مرة، ولم يعد لاسم الشخص، والكاريزما المقرونة به، أهمية بقدر جوهره وفعله المرتقب، والثاني: أنه بوجود النسور وعدمه، فإن القرارات والتوجهات ذاتها مقررة دون اعتراض من الدولة، وليست مرتبطة بشخص رئيس الوزراء.
في المقابل، يرى فلاسفة نهل من منابعهم آلاف العلماء، ومَنْ حكموا في عصور سابقة أن "الكلمة التي لا تقال تموت"؛ بمعنى أن أقوال النسور ومن قبله ومن سيخلفه ستموت لو لم تقال، وهي تحصيل حاصل، لكن المهم مضمونها إن كان إيجابيا في صالح أهل البلد، أم أنها كانت قرارات اقتصادية على الأرجح غير شعبية.