المجلس المركزي على عتبة القرار

 

بعد تأجيل، وإطالة مدة الانتظار، منذ انعقاد دورته الأخيرة، الدورة الخامسة والعشرين للمجلس المركزي الفلسطيني، يومي 27 و28 تموز 2011، أي قبل ما يقارب الثلاث سنوات، وهي سمة سلبية غالبة على مؤسساتنا الوطنية، ما يضعف حالة التواصل والالتزام الدستوري، لصالح طغيان التفرد والأحادية بما يتعارض مع روح العمل الجماعي، وأهميته وضرورته، مع أن الشعب الفلسطيني في أمس الحاجة إلى الشراكة والعمل الجماعي، تحقيقاً للنظام الأساسي، ولمبدأ توسيع قاعدة المشاركة، وهي السمة البارزة النوعية التي طبعت منظمة التحرير، منذ تأسيسها، وخاصة بعد تولي حركة فتح والرئيس أبو عمار قيادتها وكانت أحد مصادر قوتها، باعتبارها جبهة وطنية جامعة ويجب أن تكون، في مواجهة تفوق المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي. 
منذ ذلك الوقت، يلتئم المجلس المركزي الفلسطيني يومي 26 و27 نيسان الجاري، في ذروة مواجهة الاستحقاقات التنظيمية والسياسية الوطنية، ومطالبها الملحة التي تتطلب الوضوح والشجاعة، بلا تردد، بعد سلسلة إنجازات فلسطينية مهمة تمثلت بما يلي: 
أولاً: نجاح قبول عضوية فلسطين في منظمة "اليونسكو" يوم 31/10/2011، وهزيمة التحالف الأميركي الإسرائيلي المناهض. 
ثانياً: نجاح قبول عضوية فلسطين، كدولة مراقب، لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29/11/2012، وهزيمة التحالف الأميركي الإسرائيلي أمام الدبلوماسية الفلسطينية الناشطة وحيويتها، ما يتطلب إلغاء السلطة الوطنية، وانتخاب رئيس للدولة، إضافة إلى المجلس التشريعي – البرلمان. 
ثالثاً: تماسك الموقف الفلسطيني في اتفاقيتين هما 1- إطلاق سراح أسرى ما قبل اتفاق أوسلو، 2 - استئناف المفاوضات بدون تقديم تنازلات جوهرية تمس حقوق الشعب العربي الفلسطيني خلال جولات التفاوض منذ تموز 2013. 
رابعاً: تطور إيجابي في الموقف الأوروبي لمصلحة فلسطين بما فيها إعلان مقاطعة المستوطنات ومنتجاتها. 
خامساً: وقوع واشنطن في الحرج السياسي بسبب انحيازها لموقف حكومة المستوطنين الاستعمارية الاحتلالية، التي خرقت الاتفاقيتين التي توصل لهما جون كيري في تموز 2013، ما دفعه لتحميل حكومة نتنياهو أمام لجنة في الكونغرس الأميركي، مسؤولية فشل المفاوضات بسبب عدم الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى، وعدم الالتزام الإسرائيلي بالوقف غير المعلن للاستيطان من خلال طرح مشاريع استيطانية جديدة أخلت بشروط التفاوض. 
هذه إنجازات حققتها القيادة الفلسطينية، والمفاوض الفلسطيني، والدبلوماسية الفلسطينية، في مواجهة العدو الإسرائيلي المتفوق، وأمام المجتمع الدولي وعبر مؤسساته ومن خلالها، ولكن القيادة الفلسطينية أخفقت، في جملة من العناوين، يمكن تلخيصها كما يلي: 
أولاً: على المستوى الداخلي، فشلت في دفع حركة حماس للتراجع عن الانقلاب وإنهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، مثلما بقيت مؤسسات منظمة التحرير ضعيفة التأثير، وعدم قدرتها في امتلاك زمام المبادرة، ومعالجة انتهاء الولاية الدستورية، لكل من الرئيس والمجلس التشريعي والمجلس الوطني، ورفد هذه المؤسسات بدماء جديدة أسوة بما يتم لدى مؤسسات العدو المتفوق، وبقي الانتظار وإطالة فترة بقاء المؤسسات في حالة القنوط بدون تجديد لشرعيتها، هو سيد الموقف وعنوانه، ما دفع حركة حماس للتهرب من مسؤولياتها، ويصف صلاح البردويل المجلس المركزي بأنه "منتهي الصلاحية وفاقد للشرعية منذ سنوات". 
ثانياً: فقدان الدور القيادي الحيوي لمنظمة التحرير في تمثيلها لمكونات الشعب العربي الفلسطيني الثلاثة، ضمن سياسة خلاقة، راعت الظروف الخاصة لكل طرف وهم: 
1- أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة في مناطق 48. 
2- أبناء الضفة والقدس والقطاع، أبناء مناطق الاحتلال العام 1967. 
3- أبناء المخيمات وبلدان اللجوء والشتات، واتساع الحملة المعادية لمكانة ودور منظمة التحرير، خارج فلسطين، من قوى عديدة تقودها حركة الإخوان المسلمين، وبعض القوى القومية وبعض الأجنحة اليسارية، بدون أن تجد الصد الكافي لها من قبل الائتلاف الوطني الذي يقود منظمة التحرير والمكون من 1- حركة فتح، 2- الفصائل اليسارية والقومية، 3- المستقلين.  
ثالثاً: ضعف القدرة وغياب المبادرة الفصائلية لمواجهة الاحتلال والاستيطان والتصدي لها على الأرض، رغم بسالة المبادرات الشعبية في بعض المواقع الجماهيرية مثل نعلين وبلعين والمعصرة والأغوار ولكنها لم تصل إلى مستوى المواجهة الجماهيرية الكفاحية المؤهلة لوضع مداميك إزالة الاحتلال، عملياً وفعلياً على الأرض، فالاستيطان مستمر، ونهب الأرض متواصل، وانتهاك المحرمات وحقوق الإنسان فاقع بلا تردد، بلا أي إحساس إسرائيلي بالقلق، سواء من قبل الفعل الكفاحي الشعبي الفلسطيني، أو من قبل العقوبات الدولية، فالدعوات نحو النضال الشعبي المدني ذات الأدوات السلمية تبدو غير مؤثرة، ولا توجد استجابة جماهيرية كافية لها، والملاحقات الدولية لجرائم الاحتلال ما زالت شبه معدومة. 
رابعاً: فشل المفاوضات، والتي شكلت غطاء لاستمرار الاستيطان وتوسعه وتهويد القدس وأسرلة الغور وتمزيق قلب الضفة، فالهدف الإسرائيلي من استمرار المفاوضات مكشوف، يتمثل بمواصلة الاستيطان وتضليل المجتمع الدولي لإظهار رغبة حكومة المستوطنين الاحتلالية الكاذبة بالعمل من أجل التوصل إلى تسوية وتحقيق السلام. 
خامساً: فشل السياسة المالية، لتغطية احتياجات الصمود الوطني وزيادة المديونية التي جعلت القرار السياسي الفلسطيني أسيراً للوضع المالي المأزوم، وغدت المديونية ـ هي العامل الثالث بعد 1- الاحتلال، و 2- الانقسام، ـ عنواناً وأداة للضعف الفلسطيني. 
سادساً: ما زال الضعف الفلسطيني بائناً في عملية اختراق المجتمع الإسرائيلي الحيوية والضرورية، وما زال هذا العامل انقسامياً، يفتقد للإجماع الوطني، وخاصة من قبل فصائل العمل اليساري والقومي، وينظر له على أنه تطبيع مع العدو الإسرائيلي، رغم أهميته البالغة في كسب انحيازات إسرائيلية لعدالة القضية الفلسطينية ومشروعية مطالبها ونضالها سواء من أجل الدولة وفق القرار 181، وحق العودة للاجئين وفق القرار 194. 
المجلس المركزي محطة مهمة يمكن أن يُبنى عليها للتقييم والمبادرة إذا توفرت الإرادة السياسية، فهل تملكها "فتح" والفصائل اليسارية والقومية والمستقلون؟؟، وهل هي قادرة على جلب "حماس" و"الجهاد" نحو مؤسسات منظمة التحرير، حتى تنتهي فترة الانقلاب الأسود، ويستعيد الشعب الفلسطيني وحدة 1- برنامجه، 2- مؤسساته، 3- اختيار أدواته الكفاحية المناسبة. 
h.faraneh@yahoo.com