زيارة قداسة البابا المشرفة
ليست المرة الأولى التي يزور فيها ومن خلالها قداسة بابا الفاتيكان فلسطين حاجاً وداعية وولياً لابن فلسطين البار، سيدنا المسيح عليه السلام، فقد سبقه أكثر من بابا سواء أيام الأردن العام 1964، أو بعد ذلك بوجود الاحتلال الاستعماري العنصري الإسرائيلي وهيمنته وتسلطه.
في زيارته المقبلة لفلسطين، يسعى قداسة البابا فرنسيس لإرساء تقاليد بابوية ثابتة وأخرى جديدة، وهي تقاليد أثارت قادة المشروع الاستعماري الاحتلالي الإسرائيلي لفلسطين ولحكومته ولذلك حاولوا تغيير أجندة الزيارة، وتبديل عناوينها، ولكنهم فشلوا في ذلك، رغم أن الزيارة ليست سياسية، ولكن أجندتها وعناوينها ومضامينها تعكس الوعي السياسي والفهم الحقوقي لدى الكنيسة الكاثوليكية نحو حقوق الشعب الفلسطيني، وتعاطفها مع معاناته، انعكاساً لفهمها الديني والمسيحي، وانسجاماً مع موقف وولاء الرعية الكاثوليكية ورجال الدين في كنيستها، من رفضهم للاحتلال وانحيازهم لحق الشعب الفلسطيني في الاستقلال، حيث يعانون مما يعاني باقي شرائح ومكونات الشعب العربي الفلسطيني من مسلمين ومسيحيين، والكنيسة لا تستطيع مهما تعرضت للتضليل أو الصمت أو الترفع عن الاندماج بالحياة السياسية فهي لا تستطيع الترفع أو التغاضي عن معاناة المسيحيين مثلهم مثل المسلمين بسبب التمييز العنصري في مناطق 48 والاحتلال العسكري لمناطق 67، والتشرد واللجوء للاجئين ومنع حقهم في العودة إلى بيوتهم التي طردوا منها العام 1948.
مظهران بارزان، في زيارة قداسة البابا فرنسيس يوم 24/ أيار لفلسطين أولهما أنه سيستقل الطائرة الملكية الأردنية من الأردن مباشرة إلى فلسطين بيت لحم، بدون المرور على أي محطة إسرائيلية، وهي دلالة كما عرفها لنا الأب رفعت بدر مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن، الناطق الإعلامي بلسان زيارة قداسة البابا بقوله، "إن مسار الزيارة من الأردن إلى فلسطين مباشرة يعكس موقف البابا والكنيسة من نيل الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، بعد قرار الجمعية العامة يوم 29/11/2012، ولذلك جسد المسار تأكيد موقف الفاتيكان، وسلطته الدينية والمعنوية لحق الشعب العربي الفلسطيني، في السيادة والدولة المستقلة، فأراد قداسته توصيل رسالة أنه ينتقل من دولة الأردن إلى دولة فلسطين، بدون المرور أو الإذن من طرف ثالث".
أما المظهر الثاني فهو زيارته لمخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين، واستقباله لأطفال وعائلات مماثلة من مخيم عايدة، ما يدلل على تركيز قداسته أسوة بما سبقوه على معاناة اللاجئين المتواصلة المستمرة، وعلى دعواته لهم لعودتهم لبيوتهم التي طردوا منها وحقهم في استعادتها في اللد والرملة ويافا وحيفا وصفد وبئر السبع، وفق القيم الإنسانية وقرارات الشرعية الدولية، وفي طليعتها القرار 194 الدال على حق العودة.
إذاً، قضيتان متلازمتان، متلاصقتان، للفلسطينيين، سيهتم بهما قداسة البابا في زيارته لفلسطين، الدولة المحتلة القابعة تحت براثن وأنياب الوحش الاحتلالي الإسرائيلي وهما 1- حق الفلسطينيين في الدولة والاستقلال، و2- حق اللاجئين الفلسطينيين في إنهاء معاناتهم بالعودة واستعادة ممتلكاتهم، وكلتاهما تشكل استفزازاً للتطرف وللعنصرية ولمجمل مضامين وسلوك وسياسات المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، ودعماً قوياً ورافعة للمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني برمته.
الشعب الفلسطيني سيستقبل قداسة البابا فرنسيس بالحفاوة التي يستحقها، باعتباره امتداداً لصلوات ورسالة السيد المسيح الفلسطيني الأول، وباعتباره صديقاً حميماً متفهماً لمعاناة رعيته من المسيحيين الفلسطينيين الذين يناضلون من أجل الحياة والكرامة والمساواة والاستقلال مثلهم مثل رفاقهم وأشقائهم أبناء شعبهم من المسلمين الفلسطينيين، وأسوة بكل مسيحيي الأرض المتمسكين بالسلام القائم على الكرامة والسيادة واحترام الآخر.
h.faraneh@yahoo.com