قضية الكردي: مالية أم سياسية؟!
لا أعرف ماذا يفسّر محامي الدفاع عن وليد الكردي، وهو الوزير الأسبق إبراهيم العموش، منطوق الحكم القضائي، والمتمثّل في أنّ الموافقة على عقود شحن مادتي الفوسفات والسماد وتنفيذها ألحق ضررا بشركة الفوسفات، وأن هذا الضرر قابله "انتفاع" حققه المحكوم عليه، له ولغيره، فإذا لم يكن ذلك الانتفاع فساداً أو رشوة أو نهباً للفوسفات، فماذا يمكن أن نسمّيه غير ذلك، لإرضاء المحامي والوزير الأسبق الغاضب من الإعلام، هل نصفه بالخطأ البسيط، مثلاً؟!
من حقّ العموش أن يبذل جهده في حلّ قضية موكّله، عبر الوسائل القانونية كافّة، بما في ذلك عرض التسوية المالية الأخيرة. لكن العموش، نفسه، يدرك حجم الأضرار الكبيرة، سياسياً ورمزياً، بما يتجاوز مئات الملايين المتهم بها الكردي، الذي تسببت به إدارته للفوسفات، فكانت إحدى عناوين الحراك السياسي ومادّة خصبة للمعارضة، ومصدر إزعاج حقيقي للدولة، وتحوّلت لتصبح، لاحقاً، إحدى أهم قضايا الفساد التي تستفز الرأي العام ويراقبها باهتمام شديد.
ليس ممكناً فصل الأبعاد السياسية عن القانونية والمالية في قضية الكردي والفوسفات، وإذا كانت شركة الفوسفات هي شخصية اعتبارية لها ذمتها المالية المستقلة، وهي الطرف المتضررّ، قانونياً ومالياً، من إدارة الكردي، فإنّ القضية تمسّ، بلا أدنى مبالغة، الأمن الوطني الداخلي، في أبعاده الأخرى، والدولة نفسها متضررة أكبر من شركة الفوسفات (إن سلّمنا بتلك الاستقلالية) على الصعيد السياسي والرمزي، لذلك وخارج سياق المنطوق الحرفي لمشروع التسوية المالية، فإنّ الحكومة طرف رئيس في هذه القضية من جهات أخرى ومتعددة، وهي مطالبة بالوقوف على مبدأ التسوية والتفاصيل كافة، وللرأي العام الحق بالاطلاع على ذلك، فالمسألة أولاً وأخيراً تمسّ إحدى الثروات الوطنية الأردنية!
من المفيد، هنا، تذكير المحامي أو الوزير الأسبق بأنّ تقرير مراجعة التخاصية أشار إلى حجم الخلل الكبير والسافر في عملية خصخصة الفوسفات، أيّ أنّ ملف هذه القضية، من رأسه إلى أساسه، هو صداع مزمن للدولة والرأي العام، ومحاط بعدم الوضوح والتخبّط والشبهات، فالاحتماء، شكلياً، بفكرة النزاع المالي بين الشركة والمحكوم عليه، وليد الكردي، هو تبسيط واختزال لقضية معقّدة وخطرة ومهمة.
والتذكير مفيد، أيضاً، للحكومة، بأنّ الانطباع الشعبي ما يزال مسكونا بالشعور بأنّ الدولة غير جادة بمكافحة الفساد، وربما القيام بتسوية مالية مع الكردي، من دون مكاشفة ومساءلة من الرأي العام، ستضاعف من حجم الضرر في هذه القضية خصوصاً، وفي تعزيز الانطباع الشعبي عموماً.
نعرف، من خلال تصريحات العموش، أنّ إجراءات التسوية المالية بدأت فعلاً، وأنّها في طور تحديد قيمة المبلغ المطلوب من الرجل المحكوم غيابياً، بعد قبول إدارة شركة الفوسفات لعرض التسوية، ومن هنا، فمن الضروري أن يطّلع الإعلام من الحكومة بصورة واضحة ومفصّلة لاتجاه سير الأمور، والخطوات ومقدار التعويض، وفي التداعيات والدلالات القانونية والسياسية والمالية لهذه التسوية، وإلاّ فإنّ نتيجة التسوية ستكون معكوسة تماماً، كما حدث مع قضية موارد، التي ما يزال الرأي العام الأردني، يجهل إلى الآن بصورة دقيقة كيف تمّت، وما هي تفاصيلها الخفيّة، فتحوّلت مواجهة الفساد إلى لغز جديد، بحد ذاتها!