الحكومة ليست جزءاً من السلطة التشريعية

أخبار البلد - أ.د. عادل الحياري

 
 
 

 

سبق أن ذكرنا قي مقالات سابقة, ان نهاية المطاف من هذه النقاشات, سيكرّس الى معالجة صلاحية تعديل البرلمان لمشروعات القوانين العادية التي تقدمها الحكومة اليه, وذلك تطبيقا للمادة 91 من الدستور. ولكننا ارتأينا قبل الوصول الى مناقشة ذلك الموضوع, أن نناقش بعض الموضوعات المتشابكة مع الموضوع الرئيس. ومن هذه الموضوعات, مسألة علاقة الحكومة–أي مجلس الوزراء- بالسلطة التشريعية. فهل تعتبر الحكومة جزءا من السلطة التشريعية التي تشرّع القوانين العادية, ام انها لا تعتبر كذلك؟
قد يتساءل أحدهم قائلا, ما هي العلاقة بين مسألة الحكومة وبين موضوع صلاحية تعديل البرلمان لمشروعات القوانين؟ وللجواب على ذلك, نوضّح أن جميع التفسيرات التي صدرت لتحديد نطاق وصلاحية البرلمان في تعديل مشروعات القوانين المعروضة عليه, جاءت بمجملها, مضّيقة لصلاحية البرلمان, وجاعلة أن قول الفصل في تحديد نطاق هذه الصلاحية, هو قول الحكومة, من خلال صياغتها لمشروعات القوانين, وليس قول البرلمان. وهذا الاتجاه في التفسير, لا يتّفق مع النصوص الدستورية التي عالجت هذا الموضوع من جهة, ولا يتّفق مع طبيعة وظيفة السلطة التشريعية, صاحبة الولاية العامة في سنّ القوانين العادية من جهة ثانية. ولا يتّفق مع طبيعة وظيفة الحكومة صاحبة السلطة في تنفيذ القوانين من جهة ثالثة.
ولدعم الرأي بأن الحكومة لا تعتبر جزءا من السلطة التشريعية, نسوق عددا من الأسانيد, ومنها ما يلي:
اولا: بالرجوع الى النصوص الدستورية, نجد انها قد بيّنت مكونات الجسم التشريعي, كما انها بيّنت الجسم التنفيذي, حيث نصّت المادة 25 من الدستور على أن» تناط السلطة التشريعية بمجلس الأمة والملك, ويتألف مجلس الامة من مجلسي الأعيان والنواب». في حين نصّت المادة 26 من الدستور على أن « تناط السلطة التنفيذية بالملك, ويتولاها بواسطة وزرائه...». ومن هذين النصّين, يتضح بجلاء ان الحكومة ليست من مكونات السلطة التشريعية.
ثانيا: من المسلّم به في الدراسات الدستورية, أن السلطة التشريعية هي السلطة التي تعطي صفة الأمر للنص لكي يصبح ملزما. فالعملية التشريعية تعني بصورة أساسية, اعطاء نص ما, صفة القاعدة الاجبارية, ولكي يقال ان الحكومة من مكوّنات السلطة التشريعية, يجب ان تكون الحكومة مشتركة في الوظيفة التشريعية, والاشتراك معناه ان يكون لها نصيب فعلي في الارادة التشريعية, بحيث تكون موافقتها ضرورية لاقرار القانون–كما هو الحال بالنسبة للبرلمان والملك–والحكومة في الأردن ليس لها هذا الدور, لأن النص يأخذ الصفة الألزامية من موافقة البرلمان عليه. وعملية موافقة البرلمان هي المرحلة التي تبلور وتصوغ القانون.
ثالثا: قد يقال ان عملية صياغة مشروعات القوانين من قبل الحكومة–سواء كان مصدر الاقتراح الحكومة أو البرلمان–تعطي الحكومة دورا في العملية التشريعية, مما يجعلها مكوّنا من مكوّنات السلطة التشريعية. وهذا التخريج لا يستقيم مع الواقع, لأن صياغة مشروعات القوانين من قبل الحكومة, لا تتضمّن أية مشاركة بالارادة الاّمرة التي تعطي النصوص الزاميتها.
ان العملية التشريعية بمجموعها, بما فيها اقتراح مشروعات القوانين, هي في الأصل من اختصاص البرلمان. ولكن نظرا لان صياغة القانون اصبحت في العصر الحديث من المسائل الفنّية التي تحتاج الى مختصّين في الصياغة, وهو الأمر الذي لا يتوافر في كيان البرلمان, فقد بات من المسلّم فيه, في معظم الدول, ان تقوم الحكومة بهذه الوظيفة, لأنها تملك الكوادر الفنية التي تقوى على الصياغة, كما هو شأن ديوان التشريع في الأردن. ولكل ما تقدم أصبحت الحكومة هي المؤسسة الأجدر في القيام بمهمة صياغة مشروعات القوانين.
لكن لا بدّ من القول أن عملية الاقتراح, مع انها المحرك لعملية سنّ القانون, الا انها تبقى من قبيل النشاط الاداري الذي تمارسه الحكومة. وتأكيدا لهذا الأتجاه, نذكر ان المشرع الدستوري الأردني, لم ينصّ صراحة على اعطاء الحكومة صلاحية صياغة مشروعات القوانين, ولكنها جاءت ضمنا في المادة 91 من الدستور, التي نصّت على أن» يعرض رئيس الوزراء مشروع كل قانون على مجلس النواب...»
رابعا: أخذ المشرّع الدستوري (في المواد 27,26,25) بمبدأ الفصل بين السلطات, ولكن بوجود تعاون بين هذه السلطات. غير ان هذا التعاون لا يجب أن يصل الى درجة تدخّل سلطة بصميم اختصاص سلطة اخرى. فالسلطة التشريعية يمكنها التدخل بأعمال السلطة التنفيذية عن طريق الرقابة. ولكن هذه الرقابة يجب الا تصل الى ادارة مرفق عام, التي هي من صميم وظيفة الحكومة. وكذلك الأمر فالسلطة التنفيذية تساهم بالاعداد لتشكيل البرلمان ومساعدته لممارسة أعماله, بدءا من صياغة مشروعات القوانين, حتى تصديقها ونشرها بالجريدة الرسمية. ولكن لا يجب ان يصل هذا التعاون الى المشاركة في عملية التشريع, التي هي من صميم وظيفة البرلمان. وهذا التخريج يستقيم مع النصوص الدستورية, ومع التطبيقات على أرض الواقع.
خامسا: أخذ المشرّع الدستوري بنظام الديمقراطية النيابية (مادة(1) من الدستور). وهذا يعني ان يقوم الشعب بانتخاب من يمثله لمباشرة السلطة نيابة عنه. ومن أهم وظائف هذا الكيان المنتخب, وظيفة التشريع ورقابة اداء الحكومة المعيّنة, التي يجب ان تحوز على ثقة هذا الكيان المنتخب, وهو مجلس النواب.
وتأسيسا على ذلك, فأن ما يتعارض مع الديمقراطية, اعطاء الحكومة–وهي السلطة المعيّنة–جزءا من وظيفة سنّ القوانين العادية, التي هي اهم وظيفة للبرلمان.
لكل ما تقدم نقول, أن الحكومة ليست جزءا من السلطة التشريعية.