لهذه الأسباب سقط (بندر)

قال الكاتب البريطاني ديفيد هيرست إن نجم الأمير بندر بن سلطان لم يأفل فجأة بعد إعفائه من منصبه كرئيس للإستخبارات السعودية قبل أيام، بل إن هذا الأفول كان نتيجة حتمية لسلسلة من السياسات الفاشلة في مصر وسوريا وتركيا وساحات أخرى، على حد قوله.


وأضاف الكاتب في مقال نشر في موقع "هافنجتون بوست" إن الصراع بين بندر وابن عمه وزير الداخلية محمد بن نايف ، يدل على ما أسماه "انعدام الثقة المتبادلة على أعلى مستويات البيت الملكي السعودي".



فقد بدأ ديفيد مقاله تحت عنوان (( أفول نجم بندر )) .. جاء فيه :
لم يدق المسمار الأخير في نعش الأمير بندر بن سلطان الرئيس السابق للاستخبارات السعودية حينما فقد التحكم في ملف سوريا لصالح غريمه السياسي وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، وإنما حصل ذلك حينما توجه بن نايف إلى الملك عبد الله وحصل منه على تفويض مكتوب بالإحتفاظ بالملف، ولئن دل ذلك على شيء فإنما يدل على مدى إنعدام الثقة المتبادلة على أعلى مستويات البيت الملكي السعودي.


فصل بندر من موقعه كرئيس للاستخبارات يوم الثلاثاء، وذلك رغم أن نجمه بدأ يأفل منذ زمن ورغم أن سقوطه كان متوقعاً قبل حين.

قبل ذلك، ولعقود، تمثلت قيمة بندر لدى الملك في علاقاته بواشنطن، سواء كشخصية مقربة من الرؤساء الذين تعاقبوا على البيت الأبيض أو كصاحب حظوة لدى أعضاء الكونغرس.
إلا أن كل ذلك إنتهى حينما تردد باراك أوباما في قصف بشار الأسد بعد الهجوم الكيماوي على ريف دمشق، حيث كان بندر يحث واشنطن على معاقبة بشار، ويبدو أنه أكد للملك أن الولايات المتحدة ستقوم بذلك.

والحقيقة هي أن بندر كان مثله مثل الشمعة التي تحترق من طرفيها، فقد سخط عليه الأمريكان حينما إكتشفوا أن المساعدة العسكرية والمالية التي منحت للاستخبارات السعودية إنتهى بها المطاف في أيدي مقاتلين سوريين ولاؤهم للقاعدة، فقد مثل ذلك بالنسبة لأمريكا ضربة مزدوجة، فالمال السعودي لم يكن مسخراً لإسقاط الأسد وإنما لتعزيز قدرات ومكاسب جبهة النصرة وداعش.


ولم تكن سوريا الفشل الوحيد الذي لطخ سجل بندر، فلم يبد أن أياً من خططه كانت ناجحة.
في اليمن، على سبيل المثال، أبرم تحالفاً مع الأعداء القدماء للسعوديين هناك، أي الحوثيين، ورغم ذلك فقد السعوديون كل ما لديهم من نفوذ في اليمن، الذي طالما إعتبروه ساحتهم الخلفية.


رغم أن كبار المتنفذين في العائلة الملكية السعودية يجمعون فيما بينهم على إعتبار الإخوان المسلمين مصدر خطر عليهم إلا أن ثمة أصوات براغماتية داخل العائلة على إستعداد لأن تتحدى الموقف الصقوري - المحافظ الجديد - لرئيس الاستخبارات السابق ،وخاصة بعد أن ثبت يقيناً إنعدام الحكمة في الخطوة التي تمثلت بتهديد قطر علانية بفرض حصار بري وبحري عليها بسبب خلاف معها حول السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي.


ونتيجة لذلك نأى نصف أعضاء مجلس التعاون الخليجي بأنفسهم عن الرياض، فسلطنة عمان والكويت وقطر باتوا جميعاً خارج الحياض السعودي، هذا في الوقت الذي ذهبت إيران توسع نطاق نفوذها إنتهازياً في الفراغ الذي نجم عن تراجع نفوذ المملكة.

لم يكن بلا سبب وجيه حرص المملكة التقليدي في الماضي على التريث والحذر في رسم السياسة الخارجية، ذلك الحرص الذي ذهب الآن أدراج الرياح بسبب السياسة التي إنتهجها بندر.


لم تفقد المملكة العربية السعودية كل تواصل ذي معنى مع إيران فحسب وإنما أيضاً مع تركيا التي يتأهب رئيس وزرائها عن حزب العدالة والتنمية رجب طيب إردوغان لخوض غمار حرب جديدة بعد أن حسن من وضعه الانتخابي مؤخراً.

لم يكن من الحكمة أن تقدم السعودية على إستعداء كل من إيران وتركيا معاً، وهناك في الرياض من أصحاب الرأي السديد من يرون تداعيات ذلك بوضوح.

يجازف السعوديون ويعرضون مصالحهم للخطر، إذ يتسببون في إيجاد منافسين إقليميين لهم في تركيا على إستعداد لحمل راية الدفاع عن القضية السنية.

ولعل هذا ما يفسر أن الأمير مقرن، الذي عين مؤخراً ولي عهد ثان، كان من أوائل المبادرين بالإتصال بإردوغان مهنئاً إياه بالفوز في الإنتخابات المحلية في وقت مبكر من هذا الشهر.


وكانت مصر ساحة أخرى منيت فيها سياسة بندر بالفشل تارة أخرى، لم يكن سبب النقد الداخلي ضمن البيت الملكي السعودي ذا علاقة بأي خلاف عميق على الحاجة لدعم الانقلاب العسكري، وإنما يتعلق ذلك بتكلفة الإستمرار في تقديم هذا الدعم.

فقد غدت مصر ثقباً أسود فيما يتعلق بالمال السعودي والإماراتي، ولا توجد مؤشرات على أن البلاد تتجه نحو الإستقرار.
من المستبعد أن يؤدي غياب بندر إلى تبدل مباشر في السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية، إلا أن ما يعنيه ذلك أن أحد المحركات الريادية لهذه السياسة قد أطفئ.