حمى التغيير .. والأردن

 

حمى التغيير ..  والأردن 


تتصدر حمى التغيير عالمنا العربي المترامي هنا وهناك , والأسباب العامة معنونة بالحرية والكرامة والعدالة , وأسباب خاصة بالبطالة والفقر والعوز , لكنها في النهاية , تحمل عنوانا شاملا هو التغيير , والإصلاح.


ويتبارى المحللون السياسيون , شرقا وغربا , إلى توقع الآتي  والتالي في خضم هذه المتوالية , ولا يكاد محلل أو منحل إلا ويذكر عدة دول مرشحة لهذا التغيير القسري الدموي , سواء بدراية أو غير دراية  , أوتفهم لحال هذه البلد أو تلك.


أتحدث عن عالمنا الأصغر , هنا في الأردن , والذي هو الأكبر والأعظم في قلوبنا وضمائرنا ,  الذي بناه الأجداد بجهد وعزم , وعرق ودم , لا يملك من يشاهد نتاجهم إلا أن  ينحني إحتراما وتقديرا لهؤلاء اللذين بذلوا , وما زال أحفادهم  يبذلون الغالي والنفيس , لرفعة شأن هذا البلد الصغير بسكانه وأرضه , الكبير بقيادته وشعبه , وبإنجازاته المذهلة على مستوى العالم , بالرغم من شبه إنعدام للموارد الإقتصادية المعروفة بأهميتها في بناء الدول والأمم.


وهنا تكمن المعجزة .  كيف لا وهذا البلد الصغير تكون من مهاجرين وأنصار , من عرب وعجم , من مسلم ومسيحي  ومن أكثر من إثنى عشر أصل ومنبت.  تعارفوا فتفاهموا فتناسبوا , ليصنعوا بذلك شعبا أبيا  عصيا  , إذا تداعى له عضو , تداعى له سائر البدن بالسهر والحمى , وأزيد  ...  وبالشفاء والعافية والمناعة.


 الأردنيون جميعا فهموا أن  الضوء الأبيض الساطع , يتكون من ألوان الطيف  الجميلة , وأن هذه الألوان لا تعدوا , إن بقيت أحادا , مجرد ألوان هنا وهناك  ,  لكنها وإن إجتمعت , أصبحت لونا أبيضا  يشع وينير على الأمة والبشرية.


ونحن الأردنيون , نعلم أيضا , أن العامل المشترك في وحدة هذه الألوان وجعلها لونا أبيضا ناصعا بهيا , لهو  قيادتنا الهاشمية الشريفة , أصلا وحسبا ونسبا , والموصوفة بالطهارة ,  بأمر الله وإرادته.


ويفهم الأردنيون أيضا , أن من  سنن الحياة التغيير والتعديل والإصلاح , فقد قاموا  بالتغيير والتعديل في  دستورهم وقوانينهم التي تطلبت التغيير والتعديل , ومن خلال  قنوات ديموقراطية مؤسساتية , وحرية في التعبير , وإحترام الأراء والإمتثال لرأي الأغلبية , دون تدخل أو إملاءات من أي جهة خارجية . فكان الأمر بينهم شورى , وكان رجوعهم لقيادتهم الهاشمية الحكيمة , وكتاب الله السمح , وصوت العقل من كبارهم وشيوخ عشائرهم , هو السيق الذي كان , وما زال يهديهم إلى بر الأمان والإطمئنان . والأردنيون حين  يختلفون , يعلوا  صوتهم , وتعلوا مطالبهم , فهم أهل عزة وكرامة , لا يرضون الظلم لغيرهم , فكيف بأنفسهم !


يعلم الأردنيون أن لا معتقل رأي أو سياسي يقبع في سجونهم , وأن قيادتهم تضع الحراسة على من يعارضها , حماية لهم , وأن قواتهم الأمنية تقوم بتوزيع الماء على المتظاهرين منهم في الساحات العامة .


كما يعلم الأردنيون أن قائدهم ومليكهم المفدى , ما توانى يوما في المطالبة بالإصلاح السياسي والإداري ومن خلال خطبه العديدة لحكومات عديدة , ومكررا المرة تلو الأخرى بضرورة توسيع دائرة المشاركة , وتمثيل المواطنين في  المجالس النيابية والبلدية والإستماع إلى متطلبات شباب الوطن والإعتناء بهم , فهم مستقبل هذه الأمة , وتمكين المرأة الأردنية من أخذ دورها الحقيقي الطلائعي , فهي الأم والأخت والإبنة , وهي نصف الشعب.


كما يعلم الأردنيون أن مليكهم المفدى قد تحدث عن الأردن وعن قضايا الوطن والأمة , منتدبا وممثلا عنها في المحافل الدولية , وأنه ما من رئيس دولة عربية قد أثر وأثار إعجاب العالم الغربي كما فعل جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين , حفظه الله ورعاه.


الأردنيون قد شاهدوا وسمعوا مليكهم في مؤتمر دافوس يقول أنه يرغب في الإصلاح اليوم وليس غدا , لكن هناك تيارات موجودة  لا ترى في الإستعجال فائدة وأن التروي هو الأفضل , وأنه يرغب في من يملك هذه الديناميكية من القدرة على التغيير والعمل على الإصلاح السريع.


ويتذكر الأردنيون مقابلة أجرتها فصلية أمريكية مع جلالة الملك المفدى , في عام 2005 , يتحدث جلالته فيها عن تطبيق جديد لنظرية الإصلاح  تبدأ من القاعدة , لأنه إكتشف أن الإصلاح من القمة لا يجدي .


كما وقد شاهد الأردنيون مؤخرا كيف أن جلالته قد خاطب السلطات جميعها بضرورة العمل وبسرعة على إجراء التعديلات والإصلاحات وبدون تردد وكلل , وأن جملة  ..  جاءتني أوامر من فوق  ..  ليست صحيحة , وأنه لن  يسمح  بترديدها  , لأنها ببساطة  لم تكن   موجودة أبدا.


ولعل هذا الأمر كان وما زال , يغيظ من يغيظ , لا بل ويوهم من يوهم ,  بأن هذه الطيبة والتسامح والشهامة الأردنية , تشكل بيئة خصبة للفتن والدسائس والتي تنطلي على هؤلاء الأردنيين الطيبين , ولعلهم نسوا أن الأردني , وقبل أن يكون طيبا ومسامحا , لهو فطن ذكي , يختلط في دمائه  الولاء والطهر الهاشمي والفراسة البدوية والصبر القروي وخلاصة فكر وتجربة المجاهدين والأحرار واللاجئيين الآمنين , وأخيرا وليس آخرا , إنتماء لا يقارن بأرضه وبلده. 


 أوبعد هذا كله يتوقعون أن تلقى أي فتنة يحدثونها  ,,  أرضا  أو هواءا أو ماءا  لها .   لا والله  ,  فقد خسئوا ..  ورد إليهم خبثهم.


عادل الحاج أبوعبيد

عمان -  24 فبراير 2011