مروان المعشر.. الليبرالي
كان لافتاً حجم الحضور ونوعيته، ممن جاؤوا للاستماع لمحاضرة الدكتور مروان المعشّر، بمناسبة إطلاق كتابه "اليقظة العربية الثانية: النضال من أجل التعددية"، يوم الاثنين الماضي، في مؤسسة عبدالحميد شومان؛ ما يشي بحجم التعطّش السياسي لخطاب ليبرالي مختلف عن الألوان المنقوصة أو المتردّية التي طغت على المشهد خلال الحقبة الماضية.
وممّا أضفى مزيداً من الجديّة والأهمية على المحاضرة، وجود شخصيات مهمة، لها حضورها وطابعها. إذ قدّم رئيس الوزراء الأسبق عبدالكريم الكباريتي، للمعشّر. ورأينا بين الحضور أسماء بارزة، حرصت على الحضور والاستماع، بل وحتى المشاركة في النقاش، كما فعل رئيس مجلس الأعيان السابق، طاهر المصري.
تنوّع الجمهور ما بين هذه الشخصيات السياسية، وشباب من ألوان سياسية وفكرية متعددة، لا يتّفق أغلبهم، بالضرورة، مع ما يطرحه المعشّر من رؤى سياسية. لكنّه استطاع أن يجذب اهتمام الكثيرين بما طرحه خلال الأعوام الماضية، من خلال دراسات وأفكار ومقالات أعادت تقديمه للرأي العام العربي والأردني، والغربي.
الهاجس الثاوي وراء الكتاب يتمثّل في إدراك أهمية التغيير السياسي في المنطقة، وعدم الإدانة المسبقة للربيع العربي (ما أطلق عليه المؤلف "اليقظة الثانية")، أو الحكم بأفوله وكارثية نتائجه؛ بل التنبيه إلى طبيعة المراحل التي ستمر بها المجتمعات والشعوب العربية في الصراع من أجل التقدم نحو عصر الديمقراطية والحرية والمواطنة.
وربما هنا تتجلّى مساهمة المعشّر الرئيسة؛ إذ يدرك تماماً أنّ جوهر الأزمة الراهنة هو "عجز التعددية"، وعدم قدرة الدولة العربية الراهنة على صهر الناس في بوتقة مجتمعية وسياسية، تقوم على مبدأ المواطنة وسيادة القانون، وتضم التنوع السياسي والديني والاجتماعي والأيديولوجي والعرقي، فيكون ذلك عامل ثراء للدولة والمجتمع لا عامل صراع واحتراب، كما حدث ويحدث.
المفتاح الرئيس لبناء أنظمة سياسية جديدة، يكمن في ترسيخ قيمة الاعتراف بالتعددية، سياسياً ودينياً وثقافياً ومجتمعياً، والانطلاق من ذلك لصوغِ عقدٍ اجتماعي جديد في العالم العربي.
قيمة المعشّر اكتسبها، مثل غيره من مثقفين وسياسيين عرب ليبراليين آخرين، من التزامه في آرائه ومواقفه وسلوكه بالانسجام مع رؤيته الليبرالية الإصلاحية في جميع الحالات؛ فهو لا يجزّئ موقفه الليبرالي بين السياسي والاقتصادي، كما يفعل سياسيون كثر في الأردن، ممن يتبنون الليبرالية المتوحشة اقتصادياً والنهج المحافظ سياسياً.
ولا يتحدث المعشّر عن ديمقراطية تقوم على إقصاء الإسلاميين من المعادلة السياسية، كما يفعل أغلب الليبراليين اليوم في مصر، بل هو يصرّ على أن النضال من أجل التعددية يتأسس على قبول الجميع في المعادلة السياسية. وهو وإن كان يطرح علامات استفهام عن مدى إيمان الإسلاميين بالتعددية وحقوق الآخرين، فإنّه لا يبرّئ ما يسميّها القوى المدنية من عدم الالتزام بذلك أيضاً.
ليس جديداً ما يقوله المعشّر. ومن المعروف أنّ هناك العديد من الشخصيات السياسية الأردنية الليبرالية التي تشاركه قناعاته ومواقفه. لكنّ وجه الأهمية والاهتمام بما يقوله الرجل، يتمثّل في أنّه يؤسس لخطاب ليبرالي ملتزم بهذه القيم، يعلن بوضوح موقفه من عملية الإصلاح السياسي في الأردن، ومن قضايا المواطنة والسياسات الاقتصادية.
الخطاب الليبرالي الإصلاحي الذي يطرحه المعشّر، يتجاوز تلك الصورة النمطية التي نجحت قوى محافظة في إلصاقها بالليبراليين، خلال الحقبة الماضية، وشاركهم "أدعياء الليبرالية" في رسمها؛ عبر تقديمهم كخصوم للإسلاميين، عموماً، وغير مؤمنين بالإصلاح، وربطهم بالفساد والتزاوج بين "البزنس" والموقع العام، أو مقربين من إسرائيل؛ فيما نجح المعشّر في تقديم صورة الليبرالي الأردني الوطني، الذي قد تختلف معه في بعض القضايا، لكنّك لن تجد أمامك بشأنه ملف فساد كبيرا، ولا تناقضاً صارخاً لديه بين الفكر والممارسة!