ومَنْ لا يَحِنّ للمــآضي !!
أتنهد قليلا واقول في نفسي: الحنين إلى الماضى, إحساس يتشارك فيه جميع الناس, وهو هذه الايام في تصاعد مستمر... الناس هذ الايام يحنون بتحسر الى أيام البساطة، والحياة المستورة، وراحة البال والنوم الهاديء، يحنون الى الاجتماع على مائدة الطعام و" اللمات" والتعاليل، الى أعياد زمان وأعراس زمان، الى مواسم الحصاد والبيادر وقطاف الزيتون.... ،
اسمح لى أيها الزمن الجميل أن استريح بين أيامك، فقد دارت بي الأيام وهدني العناء، وأثخنتني الجراح، هامت على نفسي الهموم واعتلت ذروة أيامي، اسمح لي أن أمتّع نفسي وأسليها بعذب البوح وجميل الكلام، آتي اليك وقد شدنى النور المنبعث من أخلاقك أيها الزمن البعيد والوفاء لأيامك الطيبة. لأشكو لك خراب نفوسنا وتدهور حياتنا ...
زاد الحنين اليك أيها الزمن الماضي عند الجميع بصورة كبيرة، ولعلها الحالة المزرية التى وصلنا إليها, والعصر المشين الذى ندر فيه الاحساس بالجمال, و انعكست فيه حالة الفساد الذى انتشر كالسرطان في كل شىء .
لم يكن في أيام زمان فلل ولا قصور ولا سيارات فارهة ولا محال او مولات فخمة مثل هذه الايام. ولم تكن الهواتف الذكية ولا الغبية ولا صحف ولا ... ،كانت حياة الناس تملؤها البراءة والطيبة وحبهم لبعضهم البعض، يفرحون معا ويحزنون معا، طعامهم بسيط ولباسهم بسيط ، وبرغم ذلك كله الكثير منا يتحسر ويبكي على تلك الايام، وحتى الذين انعم الله عليهم بالمال والجاه تجد أكثرهم غير مرتاحين في عيشتهم. ويحنون لتلك الحياة البسيطة البعيدة عن التعقيدات، فيذهبون بعيدا عن صخب المدينة ودخانها يبحثون عن اسباب راحة هنا وهناك ولسان حالهم يقول: الا ليت الزمان يرجع والليالي تدور ويرجع وقتنا الاول وننعم في بساطتنا، وصدق مشاعرنا، زمن ليس فيه غيبه ولا نفاق.
المدرسة كانت تبعد ثلاثة الى أربع كيلومترات نتمشى إليها كل صباح ونعود في الظهيرة، لم نعرف ركوب الباصات ولا السيارات إلا لاحقا ،
كانت شوارع وأزقة البلدة بعد الغروب تصبح فارغة تماما، كانت النساء يمكثن في بيوتهن ولا يخرجن أبدا في المساء، وكان الرجال لا يعرفون مكانا يفتح أبوابه ليلا ابدا . فلا مقاهي ولا أرجيلة ولا غيره...
لم يكن الأب متعلما ولا الأم مثقفة، وكان الأولاد ينجحون دون مدرسين، ويفهمون دون دروس خصوصية، ويحصلون على نتائج متقدمة .....
كان للحياة عطر وأريج خاص، واليوم تسرب الحب من تفاصيلها بأيدينا وماديتنا حتى اصبحنا نعيب زماننا، ولكن ليس لزماننا عيب سوانا، ونهجو زماننا ولكن لو نطق الزمان لهجانا، نحنّ الى الماضي، ولكن ألا من يُرجع الماضي فإني، أذوب لذلك الماضي حنينا .