اختطفوا العيطان
بالأمس اختطف السفير الأردني في ليبيا «فواز العيطان» من قبل مليشيا مسلحة في قلب العاصمة طرابلس، واقتيد بعد إطلاق النار على سائقه إلى جهة مجهولة.
السؤال المثير: لماذا لم تحذر الحكومة السفير، ولماذا ظلت تتعامل مع الحالة الليبية باعتبارها مستقرة، لدرجة إعلان وزارة العمل قبل أيام عن توفر فرص عمل في ليبيا.. عقبت عليها في «ما قل ودل»: «هل تتضمن عقود العمل تأمينا على الحياة؟». ولم يكن هذا التعقيب من فراغ، وإنما عن معرفة، ونتيجة لحالات الخطف والقتل التي تعرض لها مغتربون هناك.
أنا شخصيا أعرف السفير والتقيت به في مبنى السفارة الكائن في شارع عبد الرحمن بن عوف بطرابلس في شهر آب من العام 2012، حينما أصر العيطان على استقبالي بعدما عرف أني أتيت إلى ليبيا في مهمة تدريبية لصحافيين ليبيين.
الحق أن الرجل كان مهذباً وخلوقاً ومضيافاً، وكان، مثلما كنا، متفائلاً بانتخاب المؤتمر الوطني الليبي، ويومها أصر على ضرورة عدم محاكمة التجربة الليبية قبل أن تنضج، واستعرض الجهود التي تبذلها السفارة في سبيل تطوير العلاقات مع ليبيا، والوقوف إلى جانب الليبيين.
وأعرف أن العيطان بذل جهودا كبيرة في سبيل تمتين العلاقات بين البلدين، ودعم جهود إعادة بناء ليبيا، وتسهيل علاج الليبيين في الأردن، فماذا كان جزاؤه؟. ومن يتوقع أي جزاء ايجابي، لشيء قام به من أجل ليبيا، مخطئ تماماً؟. .
ليبيا دخلت إلى المجهول بجدارة منذ أزيد من عام.. والقوى التي تصول وتجول فيها ينتمي بعضها إلى ما قبل التاريخ.. حين كان الإنسان يأكل لحم أخيه الإنسان، وقبل العقل والضمير. ومن يظن انه قد يتعامل سياسياً مع هذه المليشيات أو يتحاور معها، مخطئ، بمن في ذلك أعضاء المؤتمر الوطني والحكومة الليبيين.
الشعب الليبي مغلوب على أمره، عاجز عن الإتيان بأي فعل، بل هو الضحية الأولى، بعد أن قامت دولة المليشيات المتجملة «بحكومة ومجلس انتهت صلاحيته»، بقطع الطريق عليه، وخنقه.. وقتل مفكريه ومثقفيه وقضاته وإعلامييه وقادته العسكريين والأمنيين.. وأحلامه وتطلعاته أيضاً.
يسألني ليبيون مقيمون في الأردن بعد اختطاف سفيرنا في طرابلس: «هل نقلل من حركتنا»، معبرين عن «خشيتهم من انتقام ما ضدهم»؟ فأجبتهم: لا يا أصدقائي، الأردن ليس ليبيا، الأردن دولة قانون وخلق وضمير ودين، «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، انتم ضيوفنا، ومن مبادئ الأخلاق العربية الأصيلة حماية الضيف وصونه.