هل تــُنقذ إسرائيل “الثورة” السورية؟

 

كان العامل والبعد الإسرائيلي حاضراً بقوة في ما يسمى بـ”الثورة” السورية (الإرهاب الأطلسي الخليجي التركي)، منذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب الكونية على سوريا، عندما قام "متظاهرون سلميون”، برفع العلم الإسرائيلي في قلب حي باب عمرو، الذي تبين سابقاً بأنه كان معقلاً مجهزاً ومعداً سابقاً كمركز عال للقيادة والتحكم المعروف عسكرياً بـ”C&C”، ذي تقنيات أطلسية عالية المستوى، وبالغة الدقة

والتعقيد، وفائقة التطور التكنولوجي، وقام الجيش الوطني السوري الباسل البطل بتفكيكه والسيطرة عليه. ومنذ ذلك الحين لم تغب إسرائيل عن مشهد "الثورة”، وباتت في صلبه، وكان برهان غليون قد قص الشريط الحريري لتدشين الحقبة الإسرائيلية في "الثورة” عندما بعث برسائل الغزل لإسرائيل في مقابلته مع صحيفة وول ستريت جورنال في العام 2011 بعد شهر، تقريباً، من انطلاق حملة الإرهاب الدولي على سوريا (الثورة)، فيما أزكمت الروائح والفضائح و”الإسرائيليات” المنبعثة من سيرة بسمة قضماني "الثورية”، والقريبة بالمصاهرة من برهان غليون، شارع "الربيع العربي” برمته، لاسيما ذاك الشريط المسرّب عن اجتماعها، وكانت ساعتذاك عضو في ما يسمى بالمجلس الوطني "القطري” الثوري، مع شخصيات إسرائيلية عبــّرت فيها عن "حاجتهم” الماسة لإسرائيل.

وفيما تتبارى فصائل "الثورة” المختلفة في تقديم فروض الولاء والطاعة و”البيعة” لإسرائيل والتغزل والتعبير عن الإعجاب، والأمل بها، يستذكر ها هنا التصريح الشهير للثائر "أبو فادي”، في إدلب، لمراسل القناة الثانية الإسرائيلية قائلاً : "إن شارون أفضل من بشار الأسد عندي”، فليس هناك أدل على عمق وشائج القربى والصلة بين "الثورة” وإسرائيل إلا أحدثها في الجولان المحتل حين قامت إسرائيل بقصف مواقع سورية في القنيطرة نصرة وتضامناً مع "الثوار” وذلك قبل حوالي أسبوعين، رداً على عملية بطولية في الجولان قــُتل فيها ضابط وجندي إسرائيلي وجرح آخرون، إلا أن أبرز تجليات "الغيرة” و”النخوة” المضرية الإسرائيلية بشقها العسكري كان في قصف مجمع البحوث العلمية في "جمرايا”، مؤازرة، وتغطية صاروخية، في غمرة هجوم أرضي كاسح، متعدد المحاور قام به "الثوار” (المرتزقة الأجانب)، على الغوطة في وقت مبكر من العام الماضي، وتبقى ذروة الغزل والرعاية والوله والهيام الإسرائيلي بـ”الثوار” (المرتزقة العرب والأجانب)، في الزيارة "التاريخية” التفقدية و”الإنسانية” التي قام بها بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، قبل شهرين، إلى جنوده "الثوار” الجرحى الذين أصيبوا في مواجهات مع الجيش الوطني السوري الباسل البطل، والذين كانوا يتلقون العلاج والرعاية الصحية في المستشفيات الإسرائيلية، وأعقبها على الفور كمال اللبواني، عضو ما يسمى بالائتلاف لقوى "الثورة” والمعارضة، بالإدلاء بتصريحين متتاليين، لصحيفة "العرب” اللندنية وصف فيها إسرائيل، وهذا ما يخجل من البوح به، علناً، عتاة الآرغون والهاغاناه، بأنها قوة تحرير وليست قوة احتلال، وأعقب ذلك بتصريح لموقع "والاه”، الإسرائيلي ألقى فيه بكل البيوض "الثورية” في السلة الإسرائيلية، داعياً إياها إلى ضرب سوريا والتدخل العسكري فيها، لنصرة "الثورة”، وإلى إنشاء ما يشبه الحلف، والعلاقة الخاصة مع الدولة العبرية. وبعيداً عن الطابع الاستجدائي المهين لتصريحات اللبواني، فهي تعكس، وبأحد وجوهها الأقوى، حالة اليأس والإحباط والعجز والإذلال والطريق المسدود، الذي وصلت له "الثورة” وفشلت فيه عن إسقاط النظام. وتبقى دعوة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في مايو/أيار من العام الماضي "زملائه” وأصدقائه من وزراء الخارجية العرب المجتمعين في القاهرة للتدخل في سوريا وإسقاط "النظام”، في ذات السياق، وقمة التناغم في الأهداف، والتحالف، والانسجام، والتوحد في الأهداف والاستراتيجيات ضد "النظام”، فيما بين إسرائيل و”الثوار”، (المرتزقة العرب والأجانب). ولن نعرّج ها هنا على الظهورات الإعلامية المتكررة لزعامات "الثوار”، وتحديداً من جماعة الإخوان المسلمين، كالشقفة والبيانوني، الذي أصبحوا ضيوفاً دائمين على القناة العاشرة، والثانية الإسرائيلية يلقون فيها قصائد الغزل العصماء بـ”العزيزة”، وحمامة السلام إسرائيل، بعد أن مل الجمهور الإسرائيلي من الظهور المتكرر لـ "نجم” الإعلام الإسرائيلي، وكبير "الثوار” الذي علمهم السحر وفنون الحب العذري الرفيع، وأول رعيل "المنشقين”، عبد الحليم خدام.

غير أن ما سرّب يوم أمس عن دعوة الولايات المتحدة لإسرائيل للتدخل العسكري لإسقاط النظام، و”إنجاح” الثورة، يبقى هو الباعث الأكبر على الدهشة والاستغراب، هذا إذا علمنا أن أساطيل وحاملات الموت الأمريكية، ذاتها، وصلت قبالة الشواطئ السورية في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، وانكفأت راجعة من دون أن تجرؤ، هي نفسها، على التدخل في سوريا. والقراءة الأولية لهذا التطور الأمريكي المفاجئ والغريب، إن نـُزع من سياقه الإعلامي والتهويلي التحريضي الواضح، وإذ يوحي هو الآخر بالعجز الأمريكي في إسقاط النظام، ويوجه إهانة للقوة الأعظم في التاريخ إذ تسند هذه المهمة لدولة أصغر لا تقارن قوة بقوة الإمبراطورية الأعظم في التاريخ، فتظهر-القراءة- نوعاً من التحدي لإسرائيل "المتغطرسة” والمغرورة، كي تظهر مراجلها وتجرب حظوظها في سوريا، في الوقت الذي تعرضت فيها تركيا لهزيمة ماحقة ومذلة وفشل مريع في كسب، وأنا أكتب هذه السطور غير بعيد تماماً عن جبهة القتال في كسب حيث المعطيات، من قلب المعركة، مهينة ومذلة ومخيبة جداً لـ”الثوار” وداعميهم، ومفاجآت المواجهات صدمت أردوغان وفريقه، حيث تاه "الثوار” في الجبال وتقطعت بهم الأوصال، وتعرضوا لعمليات إبادة بالآلاف، نتيجة الزج بتقنيات تكنولوجية سورية خارقة، غير متوقعة، في ميادين القتال.

تتآكل صورة "الثورة” وتنهزم وتنهار في كل مكان، ويتفرق شمل "ثوارها”، وتتلقى الضربات المؤلمة والموجعة في كل المعارك مع الجيش الوطني الباسل البطل. وتبدو إسرائيل، هكذا، كسهم أخير في جعبة الجميع، ولن نتكلم هنا عن احتمالات النجاح والإخفاق، وتخوّف إسرائيل، الكبير، وتحسبها هي الأخرى من مفاجآت سورية مرعبة، وهي تدرك تماماً أبعاد هكذا مخاطرة انتحارية تلقي بها الولايات المتحدة في الملعب الإسرائيلي، تلك المفاجآت، والقدرات القتالية الهائلة المتوفرة لدى السوريين، قد لا تجعل من حظوظها أكثر حيث فشلت تركيا والسعودية وقطر والأردن ولبنان والقاعدة، بفرعيها من "الدواعش” و”النصرة”، وفوقهم "جوقة” الأصدقاء "الأطلسيين” ومن معهم من مرتزقة الشرق والغرب والشيشان والباكستان، لكن لم يبق في جعبة "الثوار”، ومعهم "المعلم” الأمريكي سوى إسرائيل كي تتذوق هي الأخرى طعم الاندحار، ولن تنقذهم من عار الهزيمة وعار الاحتضار.

تلفزيون ليفانت

 



المزيد ..