ميـــزانك يا وطــــن !

يحكى ان تيمور لنك دخل حمّام دمشق العام ذات يوم وبعد ان تم استقباله بكل حفاوة وترحيب قام الخدم والمرافقين بتجريده من لباسه وتجهيزه بالملابس الخاصة بالحمّام الدمشقي المعروف ودخل بعدها لما يسمّى عند العارفين (الجوّاني ) وهناك صدف ان لقي جحا فنظر اليه مزهواً وقال : ماذا تفعل هنا يا ابا الغصن ؟ ... فاجاب جحا : افعل كما يفعل كل شخص يقصد الحمّام العام ... فقال تيمور : برأيك يا ابا الغصن لو انني عُرضت في سوق الرجال فكم تراتي اساوي من سعر ؟ فصمت جحا برهةً ثم اجاب : اني اطنّك لا تساوي اكثر من عشرة دراهم ..! فقال تيمور وقد بدا على وجهه الغضب : ويحك ... ان الفوطة التي الفها حول وسطي تساوي اكثر من ذلك ! فقال جحا : واني قد قطت سعراً للفوطة ايضاً ..!

يبدوا ان جحا عبّر حين ذاك عن ضمير الامة تجاه كل معتدي او غاصب او فاسد او مفسد لفظتهُ اركان الارض شرقيها وغربيها فطفق يجوس خلال الديار يبحث عن وطن وديار او مال وجاهٍ وسلطان قد يجدها فريسةً سهلةً ساعة ضعفٍ او غفلةٍ من اهلها الاصليين وحماتها الشرعيين .
يعزُّ الترابُ الطاهرُ على اهلهِ بمعزّة ما يحويه باطن ارض الوطن من عظامٍ للشهداء ما بليت ودماء لهم ما بردت وعيونٌ لهم ما زالت بمائها النديُّ لو نظرتها لملئت لها حباً وعشقاً واكراماَ وفخراً ...كانوا هم الرجالُ يوم تعزُّ المراجلُ في ساحة الوغى الا ممن خرج بنفسه وفؤاده وروحه فزعةً للوطن وغيرةً على المقدسات ... رجالٌ جبلهم حبّ الوطن على التضحية فباتت ارواحهم ترفرفُ كالحمام دوماً حول ذاك النهر الخالد شرقا وغربا وفوق مآذن المساجد واجراس الكنائس .... بخفة الحمام ترفرف ولكنها بميزان الوطن اثقل من الجبال الشاهقة .
يعزُّ الترابُ الطاهرُ على اهلهِ بمعزّة ما فوقه من مقدسات وما عليه من موجودات ومقدرات وثروات انما وجدت بهمّم من لا يقدرُ تجّار الاسواق على سومها في سوق الرجال فمن الرجال من لا يباع ولا يشرى... ومنهم ... رخيص الاثمان ... من الباحثين عن المال والجاه والسلطان مهما كانت الاثمان والوسائل ... السائرين دوماً على هدي من طروحات ونظريات( ميكافيللي ) ... لا يجدون حرجاً في انفسهم ان ينفشوا بالباطلِ في ثروات ومقدرات وحقول الوطن نفش عجاف البقر بحقول القمح الداشرة ... وما حقول الوطن بداشرة ولكن غداً لناظره قريب ، امتلأت (كروشهم ) و (خصومهم ) من مكتسبات السحت والفساد والافساد فاصبحوا كجمال المحمل ثقيلة خفوفهم على الثرى ولكنهم بميزان الوطن اخفُّ من البعوض والذباب ... يحملهم تراب الوطن على مضد ... ولكنّهُ قد يعفُّ ان يحتوي تلك الجثامين بين جنبيه .
لا يخلوا هذا الوطن الغالي من ثقال الرجالِ ... اهل المواطنة الحقّة ... من يقدمون مصلحة الوطن والامة على المكتسبات الفانية والتجارة الكاسدة ناصحين لهذا الشعب الطيب وقيادته الكريمة المعدن النقية الاصل ... نعم ... منهم من قضى نحبه ... الا ان منهم من ينتظر وما بدّلوا وما استبدلوا ... فهم بعيدون كلّ البعد عن التبديل والاستبدال ... نائين بانفسهم عن الخوض بمتاهات الفساد مع الخائضين من رويبضة الرجالِِ ... الذين لا يمكن ان يقال لهم سوى ..... زنوا اعمالكم قبل ان توزن عليكم .

صالح ابراهيم القلاب