تطوران رئيسيان يقلقان النظام السوري حاليا.. وآخر يعزز من “اطمئنانه”

عبد الباري عطوان

ربما هي المرة الاولى منذ عدة اشهر التي ينشغل فيها وزراء الخارجية العرب بقضية اخرى غير قضية تطورات الاوضاع في سورية، مثلما جرت العادة طوال الاعوام الثلاثة الماضية من بدء الازمة، فهل هذا يعود لانعدام الخيارات، ام انه الهدوء الذي يسبق العاصفة؟

كان لافتا ان اجتماع اليوم الطاريء لوزراء الخارجية العرب الذي انعقد في القاهرة بطلب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس للبحث عن "شبكة امان” بديلة لاموال الدول الغربية المانحة، لم يعط الاهتمام المتوقع لمسألة مقعد سورية "الشاغر” في الجامعة، وهذا ما يفسر التمثيل منخفض المستوى فيه، وغياب وزراء الخارجية "الصقور” فيما يتعلق بالملف السوري، امثال الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي وخالد العطية وزير الخارجية القطري، وعبدالله بن زايد وزير الخارجية الاماراتي وآخرون.

السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله ربما كان اول من استشعر هذا الامر عندما اكد في مقابلته الاخيرة في صحيفة "السفير” اللبنانية ان مرحلة اسقاط النظام انتهت وتم تجاوزها، وزاد نائبه الشيخ نعيم القاسم امس في حديث آخر لوكالة انباء "رويترز″ ان الرئيس بشار الاسد سيترشح في انتخابات الرئاسة التي ستجرى في حزيران (يونيو) المقبل وسيفوز فيها، وعلى الغرب والمعارضة السورية التعاطي مع هذه الحقيقة والوصول الى تفاهم معه.

***

حالة الثقة هذه ربما ناجمة عن ترسخ قناعة امريكية عبر عنها جون كيري وزير الخارجية امام مجلس الشيوخ يوم امس عندما قال ان اي ضربات عسكرية امريكية لسورية لن يكون لها تاثير في تغيير مسار الحرب، واضاف "ان الامر تطلب ثلاثين الف طلعة جوية، وثلاثين يوما من القصف في البوسنة لاحداث تأثير في حربها، بينما كانت الخطة قصف اهداف سورية ليوم او يومين فقط لتقليص القدرات العسكرية للنظام السوري وتوجيه رسالة له وهذا ما كان سيؤدي الى وقف الحرب مطلقا”.

ولعل النقطة الابرز في حديث كيري تشديده "ان للولايات المتحدة حدودا بعد نزاعين في العراق وافغانستان”، والنظام في سورية يدرك هذه الحقيقة جيدا، ويشعر بالاطمئنان بسببها، ويضع كل خططه على اساسها بما في ذلك اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها والضرب عرض الحائط بكل عمليات التشكيك في شرعيتها.

ولكن هذا "الاطمئنان” ربما يتعرض في الاسابيع او الاشهر المقبلة لما يؤدي الى زعزعته كليا او جزئيا، فالقادمون من دمشق في الايام الاخيرة يتحدثون عن "تحريك” جبهة الجنوب، ووصول وحدات خاصة مدربة من المعارضة الى منطقة القنيطرة، في اطار تخطيط اسرائيلي امريكي لايجاد "جيب آمن”، او "حزام امني” على غرار ما حدث في جنوب لبنان، قبل ان تدمره المقاومة، وتلحق هزيمة ضخمة بداعميه الاسرائيليين.

مصدر لبناني قريب من النظام السوري، عاد لتوه الى بيروت قادما من دمشق، اكد ان هناك قلقا في اوساط الدائرة الضيقة للنظام مبعثها امران اساسيان:

*الاول: بدء سقوط قذائف الهاون على دمشق حديثا بعد توقف استمر اكثر من عام، مما يشير الى وجود توجه جديد لدى المعارضة المسلحة، والقوى المساندة لها لتعكير صفو الامن في العاصمة ونقل اجواء الحرب الى سكانها.

*الثاني: تصريحات ادولى بها كيري الى محطة "سي بي اس″ الامريكية وقال فيها انه سيناقش في اجتماع سري مع المعارضة بعض الخطط الميدانية الجديدة تتعلق بالتسليح الحديث وخطط الحرب.

القيادة العسكرية الرسمية السورية بدأت تقيم حساباتها وحسب المصدر نفسه، على اساس ان احتمالات تزويد المملكة العربية السعودية للمعارضة المسلحة بصواريخ "مان باد” المضادة للطائرات والمحمولة على الكتف تراجعت كثيرا في الفترة الاخيرة، وخاصة بعد معارضتها بشراسة من قبل الرئيس باراك اوباما اثناء لقائه العاصف مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في منتجعه الخاص في روضة خريم خارج العاصمة الرياض.

امريكا تخشى سقوط بعض هذه الصواريخ في يد جماعات يمكن ان تستخدمها في "اعمال ارهابية” مثل اسقاط طائرات مدنية واسرائيلية على وجه الخصوص، ولا تستبعد الاوساط العسكرية والامنية الامريكية ان يشتري النظام، او جماعات موالية له، هذه الصواريخ ويجري استخدامها في تنفيذ مثل هذه الاعمال واتهام المعارضة بالوقوف خلفها، فكثير من الاسلحة الامريكية والاخرى التي حصلت عليها المعارضة وصلت في نهاية المطاف الى جماعات اسلامية متشددة، مثل الدولة الاسلامية التي استولت على مخاون الجيش الحر في مدينة اعزاز قبل ستة اشهر.

الانقسامات الكبيرة التي كشف عنها الاجتماع الاخير للهيئة السياسية للائتلاف السوري المظلة الابرز للمعارضة السورية، وخروج بعض الكتل المهمة منه (كتلة ميشيل كيلو)، والصراع المحتدم بين الجناحين القطري والسعودي الذي بدأ واضحا في العلن طوال الايام الثلاثة من عمر الاجتماع، كلها تصب في مصلحة النظام، وتراجع الثقة بالمعارضة كبديل له في اذهان داعميها اقليميا ودوليا.

***

اطالة امد الازمة السورية يخدم ايضا النظام والمعسكر الداعم له اكثر مما يخدم المعارضة المفككة في الخارج والمتقاتلة او بعضها في الداخل على الارض، لان الرأي العام السوري الذي كان جزءا كبيرا منه يدعم المعارضة، واي جهد عربي او دولي لاسقاط النظام بدا يتغير تدريجيا لمصلحة الشعور باليأس والاحباط من امكانية التغيير الديمقراطي الذي ثار من اجله، وعدم وجود البدائل الافضل، وتصاعد الرغبة في الاستقرار، والحياة الطبيعية بعيدا عن التشرد في مخيمات اللجوء والمعاناة والتسول امام ابواب الدول الداعمة، ولا شك ان النظام يراهن على هذه المسألة بقوة، في وقت لا تعطيها المعارضة والقوى الداعمة لها الاهتمام نفسه، سواء بسبب الاهمال او عدم الدراية او الانشغال في الصراعات فيما بينها على جلد الدب السوري.

الازمة السورية ستطول حتما، وكلما طالت تراجع الاهتمام بها عربيا واقليميا ودوليا، واجتماع وزراء الخارجية العرب الاخير احد الادلة، والانقراض التدريجي لمنظومة اصدقاء سورية، والحديث المضطرد عن تقارب سعودي ايراني، وتصعيد ازمات رجب طيب اردوغان الداخلية واستمرارها رغم فوزه الكبير في الانتخابات البلدية، ادلة اخرى لا يمكن التقليل من اهميتها في هذا المضمار.