الدجاجة والبيضة وقانونا الانتخاب والأحزاب

على الدوام تربط الحكومات المتعاقبة قانون الأحزاب بقانون الانتخاب، وإذا أرادت أي حكومة تقديم نفسها بثوب إصلاحي، فإنها تعمد للحديث عن القانونين، ومن ثم تعود خطوة للخلف، وتعظم الحديث عن "الأحزاب"، ويتراجع الكلام عن "الانتخاب"، ومن ثم قد يتلاشى، وخاصة إذا شن النواب هجوما على الحكومة (أي حكومة)، مستشعرين أن الكلام عن قانون جديد للانتخاب، يساهم في تسريع حل مجلسهم.
بات موضوع قانون الأحزاب ملازما لقانون الانتخاب، وأصبح الحديث في أي منهما يجب أن يُقرأ أولا، كأحجية الدجاجة والبيضة، في التراث الشعبي، والسؤال الدائم: أيهما أولا، الدجاجة أم البيضة؟
كان أهلنا يهلكوننا بقصة الدجاجة والبيضة، وأيهما سبقت الأخرى، وكان يطرح علينا السؤال، وكأن أهلنا يعرفون جوابه، وهذا ما فعلته الحكومات المتعاقبة، وتفعله هذه الحكومة أيضا، من خلال تكرار الحديث عن قانوني الانتخاب والأحزاب، وأهمية أن يسبق أحدهما الآخر، وفي نهاية الأمر تجود علينا الحكومة بقانون أحزاب، وتشيح وجهها عن "الانتخاب"، خوفا من "غضبة" النواب، حينا، وحينا آخر، ابتعادا عن الدخول في دوائر صعبة، لا يكون للحكومة وحدها حق الكلام فيها، بل يكون حق الكلام والتعقيب لجهات أخرى، لها رؤيتها في قانون الانتخاب وما سيفرز، ويمكن أن يكون لتلك الجهات اليد الطولي في المنتج النهائي، فلذلك كانت الحكومات تعمد إلى قفل ذاك الباب على قاعدة "الباب اللي بيجيك منه الريح سده واستريح".
شخصيا، لا أؤمن أن عملية الإصلاح، التي استهلكنا كل الأحبار والأوراق، ونحن نتحدث عنها، وعن ضرورة وأهمية تطويرها، من دون أن نضع لبنة واحدة في عملية التطور المحكي عنه، لا أعتقد أن تلك العملية يمكن أن تتقدم للأمام طالما بقينا ندور في دائرة مفرغة من الجدل: أيهما أولا، "الأحزاب" أو "الانتخاب".
إذا أردنا رفع وتيرة الإصلاح، والتقدم به للإمام، وتوثيق مخرجات مجلس النواب المقبل، فنحن بحاجة لإرادة قوية وشجاعة، تذهب مباشرة لإجراء تعديلات جذرية وعميقة على قانون الانتخاب، وإجراء الانتخابات المقبلة على أساسه، من دون أن "نتحجج" بقانون الأحزاب، وأنه يجب أن يسبق "الانتخاب"، بحجة أن تكون لدينا أحزاب قوية.
الحقيقة، أننا لو شرّعنا لوجود الأحزاب في قانون الانتخاب، ومنحنا الأحزاب فرصة للحضور تحت القبة، حيث الرقابة والتشريع، فسيكون بإمكاننا الانتقال من مربع لآخر مختلف. أما إذا بقينا نتحدث عن تعديلات على قانون الأحزاب، وزيادة أعداد المؤسسين، ومن ثم تخفيضها، ونقل صلاحية الإشراف على الأحزاب من مكان لمكان، من دون توفر إرادة إصلاحية حقيقية، فإن ذاك لن يقدم ولن يؤخر، وسنعيد إنتاج نفس المنتج، لأن خط الإنتاج واحد لم يتغير.
لا أرى أن التعديلات الواقعة على قانون الأحزاب، يمكن أن تنقلنا لمطرح آخر، رغم إيماني أن بعضها تعديلات جوهرية ومطلوبة، ولكن ذلك لا يفيد مسيرة الإصلاح، وان كان الكلام عن رؤية شخصية لقانون الأحزاب، فاعتقد شخصيا أن التطور هنا، يتطلب أن يكون ترخيص الحزب فقط عبر الإبلاغ، وليعمل كل حزب في الميدان، ومن يستطيع أن يكسب ثقة الناس والشعب، من خلال تعديل جوهري على قانون الانتخاب، بما يسمح بوجود أحزاب في مجلس النواب، فيمكن أن يتم تقديم دعم له.
لا أرى أن هناك داعيا للكثير من المواد التفصيلية في قانون الأحزاب، ويتوجب ترك الأحزاب وشأنها، على أن تتقيد بنصوص الدستور، وتقدم أنظمة داخلية، ولا ضير بأن تكون لتلك الأحزاب هيئة مشرفة، ترتب أوضاعها فقط، من دون أن يكون عليها قيد من أي جهة كانت.
طريق الإصلاح هي قانون الانتخاب، واتركونا من حكاية الدجاجة والبيضة.