عقوبة الخمس ليرات

عشرات الدورات البرلمانية عقدت و إنتهت و كأنّ أحـدا لم يلتفت لقانون العقوبات الأردني ، و الذي يعتبر من أهمّ القوانين الناظمة لحياة المجتمع ، لا بل هو المرجع و القاعدة الأساس لباقي التشريعات الجزائية . 
لقد لفت نظري تصريح لمسؤول أمني يفيد بأنّ كلفة السجين على الدّولة تساوي ( 700 ) سبعماية دينار أردنـي شهريـّـا ! و أنا متأكّد من أنّ هذا الرّقم يتعلّق فقط بالسجناء المحكومين ، كون الكلفة المتعلقة بالسجناء الموقوفين تزيد بسبب عملـيّـة نقلهم بين المحاكم و مراكز الإصلاح ، و التي كما نعلم تتم بمرافقة ثلاث مركبات ذهابا و إيابا . 
المفارقة هنا أنّ المحكوم الذي يستطيع إستبدال عقوبة الحبس بالغرامة – للعقوبات التي لا يزيد الحبس فيها على ثلاثة شهور – يشتري حريـّـته بدينارين عن كلّ يوم ! بينما يكلّف سجنه على الدّوله ما يعادل أربع و عشرون دينار يوميـّـا أي إثنا عشر ضعفا ! فهل أصبح ثمن الحرّيـّـة بخسـا و رخيصا إلى هذا الحدّ ؟ ام أنّ هذا شكل من أشكال الدعم الموجـّـه لغير مستحقّيــه . 
و حيث أنّ العقوبة قد شرعت ردعـا للمتـّـهم و زجرا لغيره ، يكون من المؤسف جدّا إنتفاء الغرض من العقوبة بشقيها العام و الخـاص ، و هذا ما نراه في بعض فصول قانون العقوبات ، إذ ما زالت بعض موادّه توجب عقوبة الغرامة بخمسة دنانير و البعض الآخر يتحدّث عن عشرة ! فهل باتت هذه الأرقام عقوبة في زمننــا هـذا ؟ قطعا لا ! و لا يعقل وفقا لمبدأ تدرّج العقوبة أن تكون غرامة المخالفة و التي هي أبسط أنواع الجرائم أعلى منها في الجنح التي تعتبر أهـمّ و أخطر على المجتمع . 
كمـا أنـّـه من غير المعقول أن يدفع المحكوم له ( صاحب الحقّ ) تكاليف قسريـّـة من تنقّلات و إستدعاءات وطوابع في سبيل تحصيل حقوقه أكثر ممـّـا يترتــّـب على خصمه المحكوم عليه بالغرامه ، فهنا تكون العقوبة على المشتكي و ليست على المعتدي و الذي هو أولى بالخسارة وفقا لأبسط قواعد القانون . 
أمـّـا بالنسبة أيضا لأجهزة الدولة و ما تتكبّده من نفقات لا تتقاضى عليها أجرا، يكون السؤال هل هناك تقارب بين كلفة عمليات التعميم و البحث و التحرّي عن المشتكى عليه ، و فتح الملفات التحقيقية و إجراءات توديعه للقضاء ، و ما يؤدّيه المحكوم عليه للدّولة إن كان خمسة أو عشرة دنانير ؟ لا شكّ بأنّ عقوبة من هذا النـّـوع هي المشجّع الأكبر لكلّ من أراد مخالفة القانون ، فمن أمــن العقوبة أساء الأدب ! 
لذا فإنـّـي أرى أنّ الأجدر بالسادة النوّاب أن يعيدوا النـّـظر بالتشريعات عموما ، و أخصّ بالذكر تلك التي تعنى بالزّجـر العام و برفد خزينة الدّولة من أولئك الخارجين عن القانون بدلا من جيوب المواطنين الشرفاء ، و أن يسعوا لتأمين مصادر قانونية و شرعية لموازنة الدفاع بدلا من التـّـركيز على فضحها و كشف أوراقنا الحسـّـاسة أمام أولئك الذين يتربـّـصون بنـا ! 
حمى الله الأردنّ ملكا و شعبا ... 

المحامي / علاء مصلح الكـايد 
Alaa.Elkayed@gmail.com