هل نقول «وداعا للصوت الواحد»؟
قيل في قانون الصوت الواحد أكثر مما قال مالك في الخمر، وشغل البلاد والعباد منذ سنوات، حتى بات «أيقونة» مقدسة لا يمسها التغيير، رغم أن كل اللجان وحلقات البحث والخلوات التي شكلت ونظمت بإرادة سياسية رسمية أوصت بدفنه، ولكنه بقي هو ودفنت هي، أو تحولت إلى مستحثات أثرية يعلوها الغبار!
لقد التقى على رفض قانون الصوت الواحد ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، وبالكاد ترى من يؤيده أو يدافع عنه، إلا إذا كان لحاجة في نفس يعقوب، ومع هذا صمد هذا القانون «المؤقت» وظل مرفوع الرأس، لا بل أصبح «أمثولة أردنية» يستعيرها الأشقاء في بلاد العرب، باعتباره الحل السحري «للضبط والربط» وديمومة تغييب إرادة السواد الأعظم من الجمهور، أو على الأقل «التقنية» لها بحيث تصب حيث يُراد لها أن تصب، مع ضمان تقسيم المقسم، وتكريس إنهاك المجتمع بجدل لا ينتهي، والأهم ضمان بقاء من تسلق الشجرة البقاء في «الأعالي» وعدم توفير أي مبرر له للنزول، وقد كنت طرفا في وقت ما في «التوسط» للبحث عما يشبه الحل الوسط لنزوله، إلا أنه «حرم» بإصرار وقرار بات حازما صارما بإبقائه حيث هو، متمسكا رغم انفه بالمقاطعة!
واليوم، وبعد كل هذه السجالات المريرة، يطلع علينا وزير الشؤون السياسية والبرلمانية الدكتور خالد الكلالدة في أكثر من تصريح، «يبشرنا» بأن ابرز ملامح قانون الانتخاب الجديد إلغاء نظام الصوت الواحد، قائلا بكلام لا يعتريه لبس أو تأويل: وداعا للصوت الواحد!
ووفق ما توافر لدينا من معلومات، أغلبها تصريحات الوزير، وما تجود به «مجالس النميمة السياسية» يبدو أن مشروع قانون الانتخاب الجديد لم يأخذ بعد شكله النهائي، فهو بين أيدي اللجان «الفنية» تمهيدا لانجازه وعرضه على مجلس الوزراء قريبا، بعد أن يعبر ديوان التشريع، وثمة كما يبدو عدة سيناريوهات مفترضة للوقت الذي يمكن أن يحط فيه الرحال في مجلس النواب، فمن قائل إنه قد يطرح للنقاش في دورة عادية قادمة، ومن قائل إنه قد يناقش في دورة استثنائية، ومن قائل أيضا، أن هذا المجلس لن يناقشه، لأنه معرض للحل بقرار من المحكمة الدستورية، وهؤلاء يعتقدون أن المجلس القائم قد يحل قريبا، ويُستدعى المجلس السابق، ومهما يكن من أمر فالحديث يدور عن قانون انتخاب «عصري» يقسم المملكة إلى دوائر وفق المحافظات، وتنتخب كل محافظة نوابها وفق القائمة النسبية، أما «الكوتات» فهي كما يبدو ستلغى شكلا، وستدخل في تخصيصات معينة داخل كتل المحافظات.
بحيث يتم حجز مقاعدها لدى من يشكل الكتل، وعلى العموم، فكل ما قيل يبقى في دائرة «مسودة النص» ولا ندري ما ستؤول إليه الحال بعد أن يمر هذا النص في مراحل اخرى ، وعلى اي شكل سيستقر، ولكن ما هو مرجح ولا يحتاج إلى تأويل، يبدو أن مطبخ صنع القرار استقر أخيرا على ضرورة دفن خيار الصوت الواحد، وهي مناسبة عظيمة – إن تمت – للاحتفال بأكثر النصوص جدلا وهيمنة وفي العقد الأخير!
والغريب هنا، أن مراسيم «الدفن» هنا تجري بدون أي مظاهر احتفالية، ربما لجهة أن قرار الدفن لم يأخذ صفته الباتة القاطعة، فالصوت الواحد له كثير من الحراس والبواكي الذين يحرصون على بقائه حيا، إلا إذا أدركوا أخيرا أن «عمره الافتراضي» انتهى، ومدة صلاحيته لا يمكن تجديدها بتغيير «الليبل» فقط، لسبب جوهري وهو أنه لم يعد صالحا للاستهلاك البشري!