اسرائيل لن تنفع سيف الإسلام القذافي
هل يصدق عقل بشري أن يقصف زعيم ما شعبه بالطائرات الحربية؟
هذا ما يفعله معمر القذافي بحق الشعب الليبي، يحرق المتظاهرين بقذائف الطائرات، وهو الذي منذ اخترع الكتاب الأخضر يقول إنه لا يحكم، بل الذي يحكم هو الشعب عبر لجانه الشعبية الديمقراطية، فلماذا يقصفه إذن؟
لا تفسير لذلك سوى صدقية المعلومة التالية: سربت مصادر فلسطينية بعض المعلومات عن زيارة خاصة جداً لتل أبيب الأسبوع الماضي، عرّابها محمد دحلان، لنجل الزعيم الليبي معمر القذافي سيف الإسلام، إضافة إلى شخصيتين خليجيتين، ولم تتوصل المصادر إلى معرفة أسباب وتفاصيل الزيارة.
متحدث ليبي، قيل إنه متخصص في الطيران، ذكر على "الجزيرة" مساء الاثنين أن طائرات إسرائيلية "إف16" قصفت المتظاهرين، إلا أن مذيع الفضائية وضيفها الدائم الدكتور عزمي بشارة "طنّشا" المعلومة.
عنجهية سيف الإسلام ظهرت بوضوح في خطابه الذي وجهه فجر الاثنين، وهدد فيه بإسالة أنهار من الدم في ليبيا ضد المتظاهرين، وبأنه سيقاتل حتى آخر رجل وامرأة في طرابلس، إن استمروا في أعمالهم. وهذا ما حدث فعلاً، حيث ارتكب مجازر بشعة ضد الشعب الليبي المسالم، الذي لا توجد مؤسسات تحمي ظهره داخل ليبيا، كما تفتقد ليبيا إلى المؤسسات الحقوقية بعد أن دمّر القذافي الأب كل مؤسسات الدولة والشعب.
القذافي الأب لم يعترف يوماً بالمؤسسات، ولهذا دمّرها كلها في ليبيا، وهو لم يعترف بالحقوق والأحزاب، وكان شعاره "من تحزّب خان"، رفعه بكثرة عندما كانت الأحزاب العربية تحج إلى طرابلس، وسمسر عليها زعيم الحزب الشيوعي اللبناني السابق جورج حاوي.
كما عبث بمقدرات الشعب الليبي طيلة 42 عاماً، وكان أبشع قراراته في إهدار الموارد الليبية عندما قذف ببلايين الدولارات في البحر، وقرر إنشاء مشروع النهر الصناعي العظيم، وغطاه بقرار جاء فيه: "يتم تمويل النهر من قبل الشعب الليبي عن طريق ضريبة النهر، وهي رسوم مأخوذة من الوقود والتبغ والرخص الحرفية وتذاكر السفر.."، وبلغ مجموع التكلفة الإجمالية لإنشاء المرحلة الأولى 5.53 بلايين دولار، و8.05 بلايين دولار للمرحلة الثانية، و6 بلايين دولار للمرحلة الثالثة، لم يستفد منه الشعب الليبي بشيء.
ليبيا ترقد على أطول ساحل بين الدول المطلة على البحر المتوسط (يبلغ طوله حوالي 1,955 كم)، وهو صالح للاستثمار السياحي، لكنه غير مستغل أبداً، ويعيش الليبيون في دولة فقيرة مع أنهم يمتلكون من النفط ما يجعلهم أغنى شعوب إفريقيا.
ليبيا ثاني أكبر دولة يوجد فيها آثار رومانية بعد إيطاليا، لكن القذافي أعادها للعصور القديمة، التي يهدد سيف الإسلام بإعادة الشعب الليبي إليه بالسلاح والدم.
منذ سنوات، أصبح القذافي فاكهة مؤتمرات القمم العربية، لا بل الوصلة التي ينتظرها الجمهور خارج السياق الرسمي العربي، خروجه ليلة امس بالتوك توك حتى يثبت انه ما يزال موجودا في طرابلس تعكس شخصيته.
أصبح يثير الجلبة أينما رحل، يحمل خيمته في طائرته الخاصة، وينصبها أينما حلّ، متجاوزاً بروتوكولات الدول.
في بداية التسعينيات، كنت شاباً متحمساً وصحافياً أزور المحاكم كثيراً، بفضل بعض القضايا التي كانت ترفع على صحيفة الأهالي التي كنت أشرف عليها، وكنت أزور ليبيا أيام الحصار الدولي كثيراً.. زوجتي، وحتى تخفف عن أولادي من وقع دخولي السجن أياماً، كانت تكذب عليهم كذبة بيضاء بأن بابا سافر إلى ليبيا، فعلقت في دماغهم، عندما يوجه لهم سؤال: أين بابا؟ يقولون: في ليبيا، واستمرت معهم طويلاً إلى أن كبروا وعرفوا حقيقة القصة.
العقيد القذافي زعيم الجماهيرية الليبية العظمى، والقائد الأممي، وعميد الحكام العرب، وملك ملوك إفريقيا، وآخر مسمياته إمام المسلمين، القائد الوحيد الذي لا أحد سينزعج من غيابه، وغياب عائلته، لا عربياً ولا دولياً.. ولكن متى؟