قانون لحماية المبلغين عن الفساد
لايكفي ان تكون الحرب على الفساد شعاراً سياسياً ، اذ ان هناك تشريعات يجب وضعها ، والقوانين الموجودة غير كافية لمحاربة الفساد.
اذا كانت النية صادقة لمحاربة الفساد ، فان ابرز قانون يشجع على محاربة الفساد ، مازال غير موجود ، وهو قانون يمكن تسميته بقانون حماية المبلغين عن الفساد ، واذا لم تتقدم الحكومة او النواب بمشروع للقانون فأن الحديث عن محاربة الفساد ، مضيعة للوقت.
في حالات معينة ، قام اردنيون بالابلاغ عن حالات فساد صغيرة او كبيرة ، في مؤسساتهم ، او عبر اي شكل اخر ، وقد تعرض بعضهم الى نقل من مكان عمله انتقاماً ، وتعرض البعض الاخر الى ملاحقات او تهديدات من مراكز فساد ومتنفذين.
قبل اكثر من عشر سنوات وصلت الى يد اردني وثائق حول ثراء فاحش لمسؤول وحين تسرب اسمه ومالديه من وثائق ، لوحق بالتهديد من مافيات اوروبية ، وفي العواصم التي كان يتنقل بها بسبب طبيعة عمله ، حتى اضطر ان يتوارى خوفاً من القتل.
اذا كنا نقول دائماً ان محاربة الفساد بحاجة الى منظومة تشريعية ، تبدأ بتعديلات على قانون ابراء الذمة المالية ، ثم اخراج "قانون من اين لك هذا" من ثلاجة التشريع الباردة ، واقراره ، فاننا نطلب اليوم ايجاد قانون لحماية المبلغين عن الفساد.
حماية المبلغين عن الفساد ، تشمل حياتهم وسرية معلوماتهم وبياناتهم وارزاقهم ، وعدم ادخالهم كشهود ، وعدم كشفهم ، وعدم التعرض لهم ، وتأمين كل اشكال الحماية القانونية.
في دول معينة توجد تشريعات تمنح المبلغين رعاية خاصة ومستدامة ، لتشجيع الاخرين للابلاغ عن اي فساد يعرفونه.
كثرة بيننا تسمع عن فساد ، وكثرة ترى الفساد امام عينيها ، ولاتجرؤ على الابلاغ ، ليس لعدم وجود ثقة بالمؤسسة الرسمية ، ولكن لوجود سوابق اجتهد فيه اردنيون بالابلاغ فتمت معاقبتهم ، ممن هم اقوى منهم ، وممن تضرر من الابلاغ.
لدي قصة لموظف جامعي ، دفع ثمنا مرتفعاً قبيل سنوات ، جراء كشفه لفساد ما ، وقصص اخرى تحكى ولا تروى.
محاربة الفساد ليس شعاراً ، قد يتعرض للتآكل او الديمومة.محاربة الفساد يجب ان تتحول من شعار الى منظومة تشريعية متكاملة ، وهذه المنظومة غائبة كلياً ، والمع دليل على ذلك الصيغة الحالية لقانون ابراء الذمة المالية.
الصيغة لاتعني شيئاً لكونها تقوم على اساس تسليم مسؤول ما معلومات حول ثروته في مغلف خاص يبقى مغلقاً طوال الدهر ، حتى يحدث سبب قانوني يوجب فتح المغلف ، وهكذا ننتظر الفاسد الف عام ، حتى نفتح مغلفه لنتأكد مما لديه ، في حال حدوث فساد بطبيعة الحال.
محاربة الفساد لاتقوم على اساس هش يقول:انتظروا الفاسد حتى يقع ، ثم نبدأ بسؤاله ، من اين له هذا؟السؤال يجب ان يكون مرفوعاً في وجه الاحتمال قبيل تحوله الى واقع.
ارصدة الاردنيين في الخارج ملف خطير بحد ذاته ، وتتبع الارصدة بشكل قانوني ، عبر التعاون مع مؤسسات دولية ، سيكون دليلا يتطابق مع المغزى القانوني الذي سيقدمه قانون من اين لك هذا في حال رده من غيبته الكبرى.
على هذا نقول للحكومة والنواب اذا اردتم محاربة الفساد حقاً ، فعدلوا قانون ابراء الذمة المالية ، وردوا علينا قانون "من اين لك هذا" من غربته ، وشرعوا قانوناً جديداً يضمن الحماية للمبلغين عن الفساد.
غير هذا مجرد "سواليف حصيدة".