كلف مقلقة وخطيرة
لا أحد يدري حتى متى سيستمر انقطاع الغاز المصري! وبحسب المعلومات الواردة من الجانب المصري، فإن الحكومة هناك لم تبدأ بعد بإصلاح خط الغاز.
وليس من أولويات المصريين في هذه المرحلة إعادة إصلاح الخط الذي انفجر قبل أسبوعين، وهذا أمر طبيعي، كما أن سيناريوهات مصير استمرار تصدير الغاز المصري لجميع الدول بما فيها الأردن مجهولة. بالنسبة للأردن، مسألة الوقت مهمة وحاسمة، لاسيما أن المشكلة التي تسببت بتوقف ضخ الغاز بداية الشهر الحالي، اضطرت محطات توليد الكهرباء إلى الاعتماد في إنتاجها على الوقود الصناعي والديزل، الأمر الذي يزيد كلف الإنتاج ويجعل مبالغ الدعم ترتفع لمستويات مرتفعة ومخيفة، أظن أن وزير المالية نفسه لا يدري من أين يتدبرها.
والمأزق الحقيقي أن الخسائر المترتبة على انقطاع الغاز المولد للكهرباء بالدرجة الأولى مقلقة وخطيرة، خصوصا وأن التقديرات المتوقعة للخسائر نتيجة فرق زيادة التكلفة حتى نهاية العام في حال استمرت المشكلة تصل 1.5 بليون دينار؛ حيث ارتفعت تقديرات خسائر انقطاع الغاز المصري لتبلغ 4.5 مليون دينار يوميا.
هذه الفكرة تلقي بظلال خطيرة وسوداء على المشهد الاقتصادي المحلي؛ فالخزينة لا تقدر على تحمل هذه الكلفة، وإن تمكنت من ذلك فإن ذلك يعني زيادة الدين الخارجي بمقدار الدعم الذي سيقدم للكهرباء. قبل المشكلة الأخيرة كان الدعم المطلوب يبلغ 300 مليون دينار سنويا نتيجة تراجع كميات الغاز في الفترة التي سبقت تفجير الخط، فكيف الحال اليوم والدعم سيتجاوز البليون؟
والمعلوم أن الحكومة تقوم بإصدار سندات لتسديد هذه المبالغ ما يعرض الاقتصاد لكارثة مالية، لا أدري إن كان بإمكان الاقتصاد تحملها في ظل عجز مزمن تعاني منه الموازنة أصلا!.
ويضاعف المشكلة اختلاف النهج الاستهلاكي للكهرباء لدى الأردنيين الذين باتوا يعتمدون عليها في التدفئة مقارنة بالمشتقات النفطية نتيجة انخفاض سعرها؛ حيث زاد الاستهلاك في أوقات الذروة ليصل إلى 20 % في الشتاء مقارنة بنمو متوقع لا يزيد على 9 % في ظل أسوا السيناريوهات. وتهدد "أزمة دعم الكهرباء"، إن جاز لي إطلاق هذا الوصف عليها، بزعزعة الاستقرار المالي والنقدي، وتلوح بإمكانية بلوغ الدين والعجز مستويات توفق المستويات الخطرة.
الوقت وحساسية الموقف يقللان من أهمية الحديث عن تقصير الحكومات السابقة في تطبيق بنود الاستراتيجية الوطنية للطاقة التي كانت تهدف لإنتاج 1000 ميغا واط من الكهرباء باستخدام طاقة الرياح بدلا من 400 ميغا واط التي تستوردها من مصر حاليا.
والبحث عن نتائج سريعة وحلول فاعلة للمشكلة يتطلب زيادة الوعي لدى الناس بأهمية تقليص استهلاك الكهرباء الآن؛ فكل يوم تتراكم الخسائر لدرجة تصل حد إطفاء الإنارة في الشوارع العامة لإيصال رسالة للناس لتكشف لهم خطورة الموقف وتهديده للبلد ومستقبلها الاقتصادي.
أما البحث عن مصادر أخرى لبدائل الطاقة ومتابعة تنفيذ استراتيجية قطاع الطاقة خصوصا الطاقة المتجددة مثل الرياح والشمس فيستغرق وقتا لا تملك المملكة اليوم ترف انتظاره في ظل سوء الأوضاع وأهمية الوقت في المسألة.