«ظاهرة» اردوغان أو.. عندما «تنتصر» الديماغوجيا! (2-2)


 

حسناً... محبو نموذج السلطان رجب طيب اردوغان، فرحون على نحو يبدو وكأنهم هزموا اعداء الأمة وحررّوا ارضها المحتلة وانجزوا مهماتهم «النضالية» داخل اوطانهم التي ما تزال ترزح تحت نير الاستبداد والفساد والقمع والاقصاء والتهميش وكل انواع الاذلال وانتهاكات حقوق الانسان وغياب أي اشارة الى تطبيق القانون وتكريس دولة المؤسسات وتداول السلطة سلمياً، ولهذا يهرب «هؤلاء» الى الأمام في انتظار «المُحرّر» العثماني الذي سيستعيد راية الخلافة ويقيم دولة الاسلام، التي حدد مجالها الحيوي في خطاب «النصر» الذي القاه فجر الاثنين خارجاً على الاتراك بخطاب عُصابي ومرتبك، مُستلاّ من قاموس الشتائم، كل ما يسيء الى خصومه متوعدا بدخول «عرين» الخونة وحلف الاشرار والارهابيين، محاولا في الان ذاته ترهيب الاتراك ودفعهم للتخلي عن طرح الاسئلة الكبيرة التي لم تجد لها اجوبة بعد، منذ ان «اندلعت» في 17 كانون الثاني الماضي، ازمة الفساد وصناديق الاحذية (المترعة) بالملايين وصفقات هالك بنك (بنك خلق) ومبيعات الذهب لايران والعقارات المتورط في بعضها نجله بلال، ناهيك حرصه على جلب وزراء استقالوا على خلفية فضيحة الفساد ليكونوا الى جانبه (وابنه بلال ايضا) على المنصة التي القى من فوقها خطاب النصر.
«القابلية للاستعمار» التي تحدث عنها الجزائري مالك بن نبي، هي التي تحكم ردود الفعل لدى المعجبين بنموذج السلطان رجب او ابو الأمة التركية الثاني (اتاتورك الجديد) والذين يقولون (ومعظمهم من اصحاب اللحى وتنظيمات الاسلام السياسي) التركي السُّني ولا الايراني الشيعي (كذا) واردوغان ولا الاميركان او الانجليز او الفرنسيين، وكأن لا خيارات امام هذه الأمة الجريحة غير الارتماء في احضان أي اجنبي، بعد ان افقدتها انظمة الفساد والاستبداد والقمع والهزائم والبؤس، كل مقومات الحياة واحالت مجتمعاتها الى خراب وجوّفت الحياة السياسية والحزبية فيها ولم تعد آمنة على يومها، ما بالك على مستقبلها او الحد الادنى من الخدمات والامن.
فهل يستطيع اردوغان المنتشي بفوزه، الذي بدا للتو يدفع أكلافه تشكيكا واعتراضا ومظاهرات وانتقادات داخلية وخارجية، عبور «المسافة» التي تفصله عن الانتخابات الرئاسية القريبة (آب المقبل)؟.
دعونا نبدأ بتعليق لافت نشره مراد يتكين في صحيفة «حرييت» التركية في نسخها الانجليزية على الصفحة الثالثة صبيحة اعلان النتائج, تحت عنوان «الحقيقة العارية في السياسات التركية» جاء فيه «لو كان هناك نصف الاتهامات بالفساد في دولة ديمقراطية حقيقية، كتلك التي حدثت عندنا في تركيا، لكانت كافية لانهيار الحكومة في تلك البلاد, اما عندنا فكل ما حدث هو أن الدعم الشعبي لرجب اردوغان تراجع فقط «5» نقاط عن تلك النسبة التي حصل عليها في الاستفتاء على الدستور عندما حاز 50%».
ما يمور تحت سطح الاحداث المتسارعة في تركيا, قمين بأن يظهر وفي شكل قد يكون اكثر عنفاً ومواجهة في الشهرين المقبلين, حيث سيتحدد ما اذا كان بمقدور اردوغان, الذي لم يعد يُخفي رغبته في الجلوس على كرسي الرئيس في قصر شنقايا بأنقرة, الاعتماد على الكرد (جماعة اوجلان) لتوفير ثلثي اعضاء البرلمان لتغيير الدستور، وهو امر لن تقف المعارضة حياله صامتة أو لا مبالية، لأن الرجل اذا ما غدا رئيساً, فإنه سيبطش بالمعارضين ويبدأ اولاً بحزبه، عبر عملية تطهير قاسية, ثم يجد في حركة «الخدمة» بزعامة فتح الله غولن «كيس ملاكمة», ويُخضعها للمطاردة بعد أن شيطنها وأساء الى زعيمها الروحي الذي هو مدين له بالوصول الى ما وصل اليه, ثم يبدأ عملية تخويف وبث للكراهية في المجتمع التركي, على نحو قد يأخذ البلاد الى حرب أهلية, بعد أن اطمأن–وهو الذي لا يطمئن لأحد–الى وجود الجيش لجانبه, اثر عملية التخويف التي مارسها حياله عندما زجّ بقادته خلف القضبان ثم «افرج» عنهم عندما احتاج اليهم.
في نقاشنا مع ثلاثة نواب من حزب العدالة والتنمية الحاكم, استقال احدهم من عضوية الحزب (وليس من البرلمان) وآخر من اصول عربية وبروفيسور يشغل منصب عميد إحدى الكليات الجامعية وما يزال عضوا في الحزب (برلماني سابق) لكنه معارض، بدت واضحة حدة الانقسامات داخل الحزب الحاكم وبخاصة ان احدهم كان اول نائب «تمرد» على فساد اردوغان وبطانته، فيما الذي من اصول عربية ابدى نفاقاً واضحاً عندما احتج على وصف كاتب هذه السطور، بأن اردوغان قد بدأ يسير على نهج الديكتاتورية، ويقارف ما يقارفه معظم الزعماء العرب، فاذا به يعترض وكأنه يوجه رسالة استعطاف لسيده، وما ان طلبت حق الرد (على الرد) وتساءلت عما اذا كان المسؤول الذي يبطش بالسلطة القضائية ويجعلها تابعة لوزير العدل (السلطة التنفيذية) ثم يطيح قادة الاجهزة المولجة إنفاذ القانون ويلجم وسائل الاعلام، اغلاقا ومطاردة وسجنا ثم يقطع فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي، دون ان يسمح للقانون ان يأخذ مجراه، يمكن اعتباره ديمقراطياً ام في عداد المستبدين؟
عندها.. نهض متذرعاً بموعد مسبق لم يلبث زميله (المتمرد على فساد اردوغان) والمختص في القانون ومكافحة الارهاب، ان اشتبك معه وعلت الاصوات.
يجدر بمن ما زالوا يعتقدون ان اردوغان «رجل المرحلة» ان يعيدوا حساباتهم وان يقرأوا المشهد جيداً، فثمة انتصارات «باهتة» لم تجلب لاصحابها سوى الهزائم وفقدان مستقبلهم السياسي، ونحسب ان اردوغان من قماشة هؤلاء.
.. الايام ستروي.. ومن يَعِش ير.. ويسمع.