"سرّ" القطامين الخطير!
آخر العجائب الرسمية، تلك الفتوى الصادرة عن مجلس المعلومات الوطني، التي طالعنا بها مؤخّراً موقع "عمون" الإلكتروني، وتتضمن رفضاً لطلب أحد الباحثين القانونيين بالكشف عن مدى اعتماد الحكومة المعايير القانونية والإدارية في عملية تعيين معن القطامين، شقيق وزير العمل، مديراً خاصّاً لمكتب رئيس الوزراء، قبل شهرين. إذ اعتبر المجلس أنّ هذه المعلومة تدخل في نطاق "السريّة"، ما يمنح رئاسة الوزراء حق "حجب المعلومة"!
الوحيد الذي قدّم تحفظاً على القرار، وفقاً لخبر "عمون"، هو الدكتور موسى بريزات، مفوض المركز الوطني لحقوق الإنسان؛ إذ اعتبر أنّ هذا الامتناع عن منح المعلومة مخالف للمواثيق الدولية، بينما وقّع باقي أعضاء المجلس (فيما تغيّب اثنان) على هذه الفتوى الغريبة العجيبة، التي إن كان هنالك أي وصف لائق لها، فهو أنّها فضيحة وطنية بامتياز؛ للحكومة وللموقعين عليها، وتعكس مدى الاستهتار الرسمي بالرأي العام، وتجاهل أبسط قواعد الشفافية!
المفارقة أنّ معن القطامين استقال من منصبه بعد شهرين فقط. فتعيّن الرجل في موقع رسمي، استُحدث له، ووضعت تحت مسؤوليته وحدات رئيسة في رئاسة الوزراء، ثم يستقيل من موقعه، من دون أن يكون هنالك حقّ لنا في معرفة الآلية التي تمّ تعيينه بها، واستحداث منصب مهم له. ويأتي قرار الحجب عبر مجلس المعلومات، الذي يفترض، وفقاً لقانون حقّ الحصول على المعلومة، أن يمثّل رافعة لتحقيق الشفافية!
لا نعرف فيما إذا كان لدى المجلس مبررات مقنعة، لا نعرفها نحن الإعلاميين والباحثين، تقتضي عدم الكشف عن السرّ الخطير الكامن وراء تعيين القطامين، ما قد يرتبط بتصنيع أسلحة دمار شامل أو معلومات في غاية الحساسية عن دور الأردن في الحرب الأوكرانية، مثلاً!
قرار مجلس المعلومات ليس غريباً أو مستهجناً، طالما أنّ الأساس في علاقة الحكومات المتعاقبة بالمواطنين الأردنيين هي الغموض وعدم الشفافية. لكنّ الجديد في القرار أنّه "يشرعن" هذا السلوك الغريب. والمفارقة أنّه يأتي ضمن العملية التي يضعها قانون الحصول على المعلومات؛ أي إنّ القانون الذي نتباهى به في العالم، ونضعه كمعيار ومؤشّر على تقدمنا في الشفافية، هو على النقيض من ذلك، عائق أمام الشفافية وحق الحصول على المعلومة.
أمّا المفارقة الثانية، فتتمثّل في أنّ هذا القرار يأتي بينما لجنة مراجعة التخاصية أنجزت مهمتها، ووضعت تقريرها المهم والمهني حول عمليات الخصخصة التي تمّت سابقاً، والأخطاء والعثرات التي اكتنفت تلك العملية. وقد قدّمت اللجنة توصياتها الرئيسة حول المسار المطلوب في المرحلة القادمة. وربما تكون كلمة السرّ في التقرير هي "الشفافية"؛ إذ إنّ التزام معايير الشفافية والحكم الرشيد هو المعيار الوحيد الكفيل بمحاربة الإشاعات، وردم الفجوة المتنامية بين الشارع والحكومات، فيما غياب الشفافية هو أحد أهم أركان الأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد!
ليس خطأ أن تعترف الحكومة بعدم التزامها بالمعايير الإدارية والقانونية في التعيينات، أو ربما تقدّم جواباً وتفسيراً لطريقة تعيين القطامين. لكن أن تختبئ وراء اعتبار ذلك من "أسرار الدولة"، فإن مثل هذا القرار مدعاة للضحك والسخرية والتشكيك بمجمل الخطاب الرسمي حول الشفافية وحق الحصول على المعلومة، ويؤكّد أنّ المسؤولين يضربون بأهمية الرأي العام عرض الحائط، وأنّ خلاصات وتقارير اللجان، مثل التخاصية والنزاهة الوطنية، لا تحمل أي قيمة حقيقية لدى الحكومات قبل الشارع المتشكّك أصلاً بجدواها!