الاعتداء على الكوادر الطبية ... والقانون الجائر

تتجه النية لدى مجلس النواب الاردني ، ومن خلال اللجنة الصحية في المجلس ، الى اصدار قانون لمعاقبة المعتدين على الاطباء والكوادر الطبية في المستشفيات ، من قبل اهالي المرضى والمرافقين ، وتقضي هذه العقوبة المقترحة ، بالسجن ثلاث سنوات للمعتدي ، غير قابلة للاستبدال بالغرامة المالية .
اود ان اسال اولا ، ما هي عقوبة من يعتدي على حياة المرضى بالاهمال ، ويتسبب بوفاة الابرياء ، تحت بند الاخطاء الطبية ، والى متى يبقى الاطباء وتقصيرهم فوق القانون ، وان كان هناك قانون للعقاب ، فهل هو مفعل ، هل سبق معاقبة اي طبيب او ممرض بسبب التقصير الطبي والاهمال ، الذي ادى للوفاة ؟
واود ان اسال ثانيا ، ما هي شروط الاعتداء على الكادر الطبي ، هل هي احتجاج اهالي المرضى على اهمال مرضاهم ، وعدم الاهتمام الكافي بهم ، وصدهم بكلمات استفزازية ، قد تدفع اهالي المرضى ، الى اللجوء للتصعيد ، كمنفذ وحيد للتعبير عن خوفهم على احبائهم ، وهل حالة المريض تستدعي هذا الخوف من قبل الاهالي ، ام ان الاهالي يبادرون فورا للاعتداء بالضرب ، نتيجة توهم خطورة الحالة والتقصير ، هل قام الكادر الطبي بتطمين اهل المرضى ، وشرح الحالة المرضية ، ام تركهم في حيرة من امرهم ، تنتابهم المخاوف من اهمال مرضاهم ، هل تم تصنيف الاعتداء ، كأن يكون ضرب بالايادي ، او تكسير اجهزة او اثاث ، ام اعتداء جسدي ، وهل نتج عنه اصابات بسيطة او متوسطة او بليغة ، هل اتخذ الكادر الطبي ، كل الاجراءات الواجب عليه اتخاذها لمعالجة المريض ؟
من معرفتي الشخصية ، ومن تجربتي ايضا ، لم اسمع ان احدا من الكادر الطبي في الاردن ، واجه عقوبة التقصير والاهمال ، المؤديان الى الوفاة ، لقد ذهب ابن اخي ، طبيب الاسنان الشاب ، ضحية التقصير في مستشفى حكومي ، رغم ان صورة الاشعة ، التي علمنا بها لاحقا ، كان تفترض ان يقوم المستشفى ، بالاجراء الطبي السليم اللاحق الذي ينقذ حياته ، لكنهم لم ينظروا للصورة على ما يبدو ، ولم يقرأوا التقرير المرفق معها ، وقد ادانهم تقرير الطب الشرعي ، ومع ذلك ، فهم فوق القانون ، والاجراء القانوني لو اتخذ ، لن يكون بمستوى هذا التقصير والاهمال ، ولن يكون يا نواب الامة ، بمستوى هذا القانون الجائر ، الذي تستعدون لتشريعه هذه الايام .
يجب ان يضع نواب الشعب في اعتبارهم ، ان معظم حالات الاعتداء تحدث في المستشفيات الحكومية ، حيث يتعامل معها الفقراء والكادحون ، الذين لا يملكون تكاليف العلاج الباهض في المستشفيات الخاصة ، وهي الفئة الكبيرة من شعبنا ، والذين اضطر بعضهم ، لبيع صوته في الانتخابات النيابية ، بعشرين دينارا ، اوصلت بعض النواب الى المجلس ، في الوقت الذي يتقاضى فيه النواب ، الوف الدنانير كرواتب ، ويعالجون في افضل المستشفيات الخاصة ، وربما خارج الاردن ، وعلى نفقة الشعب نفسه ، فهل هذا جزاء من اوصلكم الى كرسي النيابة ؟
ان اردتم يا نواب الشعب ، وقف الاعتداءات على الاطباء ، فعليكم البحث في اسباب هذه الاعتداءات اولا ، والبحث في صدقية مبرراتها ، والتاكد انها ليست دفاع الضعيف عن حياة احبائه ، عليكم ان تعززوا الثقة بين الاطباء والمرضى واهاليهم ، من خلال سعيكم ، لزيادة الكادر الطبي في المستشفيات الحكومية ، وتخفيف الضغط عليها ، ومن خلال السعي ، لتوفير التاهيل المستمر له ، ولتحسين اوضاع هذا الكادرالمادية ، هل يعقل ان سائقا في احدى المستشفيات الحكومية ، مع احترامنا لكل المهن ، يستقيل من عمله ، ويلتحق للعمل في شركة كبرى ، قريبة من المستشفى ، فيعود ليبلغ الطبيب الاخصائي وخبرته عشر سنوات ، انه يتقاضى في عمله الجديد ، راتبا يعادل اكثر من مرة ونصف ضعف راتب الطبيب .
وفي نفس الوقت ، عليكم ايضا ، ان كنتم منصفين ، ان تشرعوا قانونا موازيا ، لمعاقبة الطبيب والممرض ، الذي يؤدي تقصيره واهماله الى الوفاة او الاعاقة ، كما تشرعون الان قانونا لقمع الفقراء والضعفاء ، وبغير ذلك لن تستقيم الامور ، ولن يتوقف مسلسل الاعتداء على الكادر الطبي ، واود ان اطمئنكم ، الى ان منسوب الكبرياء والكرامة لدى الشعب الاردني ما زال عاليا ، ولن يرضى بالصمت ، ولا يقبل الخنوع والذل ، وهو يرى الاهمال والتقصير مستمران في مستشفياتنا ، وان رفع صوته واحتج ، وقوبل بالاستفزاز ، فلن يتوانى عن اللجوء للعنف ، حتى لو كانت العقوبة هي الاعدام ، ففي لحظة غضب ، نتيجة الاحساس بالقهر والظلم ، والاحساس بالخطر تجاه احبائه ، لن تسمح له كرامته بالصمت .
سؤال اخير للسادة نواب الشعب ، لو ان المريض الذي تعرض للتقصير والاهمال ، وزير او نائب او شخصية كبيرة ، شاءت الظروف ان ينقل في حالة طارئة الى مستشفى حكومي ، ماذا كنتم ستفعلون ، بالتاكيد سوف تناقشون الموضوع باستفاضة ، وستقوم الدنيا عندكم ولن تقعد ، وتوجهون الاستجوابات لوزير الصحة ، اما المواطن الفقير ، الذي اوصلكم الى المقعد النيابي ، فلن تهز وفاته بالاهمال الطبي ، شعرة من رؤوسكم .