رسالة للإسلاميين بعد فوزهم!
أبعد انتخابات نقابة المعلمين ومجالس الطلبة بالجامعة الأردنية، أثبتت النتائج بأن "الإخوان المسلمين" ما يزالون هم القوة الوحيدة المنظمة في الشارع والقادرة على الحشد والتأثير إن أرادت.
أظهرت الانتخابات بعد فوز الإسلاميين القوي بنقابة المعلمين، وفوزهم النسبي في الجامعة الأردنية أن التيارات السياسية الأخرى غائبة ولا تعمل بين الناس لتحصد ثمار جهدها، وإنّ مناصرة الحكومة وأجهزتها لتوجهات في المجتمع ربما تعطيها فرصة الحضور والفوز، ولكنها أبداً لا تصنع قوة سياسية مؤثرة ومؤطرة.
قبل أن تعلن نتائج انتخابات نقابة المعلمين، تحدثت تقارير عن خروقات وتجاوزات في الانتخابات، وتصاعدت الأصوات المنتقدة للنظام الانتخابي الذي يحكم نقابة المعلمين باعتباره يعطي للإسلاميين قوة أكثر من حجمهم، ولكن كل ذلك لا يبدل من حقيقة فوز الإسلاميين وسيطرتهم.
وفي الاتجاه الآخر؛ فإن الجامعة الأردنية كانت بعض كلياتها ميدان صراع وعنف، وتواترت معلومات بأن إدارة الجامعة كانت حاسمة في منع كل مظاهر التحشيد الإقليمي والهويات الفرعية. والنتائج الأولية كانت فوزا نسبيا للإسلاميين، دون أن يُعرفَ الوضع النهائي في مجلس الطلبة على ضوء خريطة التحالفات بين قوائم ليس معروفاً بشكل حاسم هويتها واتجاهاتها وتصنيعها؟!.
وإذا كان فوز الإسلاميين حقيقة ماثلة، فإن الحقيقة الأخرى التي لا يجوز إغفالها أن الدولة الأردنية لم تدخل معركة "كسر عظم" مع الإخوان في الانتخابات، ولم تمضِ في سيناريو تصفيتهم على غرار النموذج المصري، والتوجهات السعودية الإماراتية البحرينية باعتبار تنظيم الإخوان حركة إرهابية.
وعلى ما يبدو فإن خيارات الإقصاء السياسي والأمني للإخوان المسلمين في الأردن لم يؤخذ بها، ورجّحت التيارات الراشدة في الدولة الإبقاء على شعرة معاوية معهم، لأنها ترى في الحرب على الإسلاميين "تفخيخا" وتفجيرا للوضع المجتمعي، لا يمكن احتواؤه والسيطرة عليه أو دفع كلفته.
كان يمكن للحكم أن يمضي في إقصاء "الإخوان المسلمين" وتفريخ تيارات إسلامية على مقاس اليد، يسعفه ويخدمه بذلك التراجع والانهيار للحراك الشعبي، وفشل وتشظي الربيع العربي، خاصة بعد الضربة الموجعة لـ"الإخوان" في مصر بعزل الرئيس مرسي، والنموذج المنفر لصراع الإسلاميين المتشددين في سورية (داعش والنصرة)، وما يحدث في ليبيا من اقتتال، ولكن ذلك لم يحدث، وظلت جبهة الصراع المعلن والمخفي بين الحكومات والأجهزة الأمنية من جهة، والإخوان من جهة أخرى مجمدة رغم بعض المناوشات.
في الأردن ما تزال الفرصة مواتية بعد مرور ثلاث سنوات على الربيع العربي على إنضاج معادلة إصلاحية مختلفة، فالجميع تعلّم دروساً، وأعتقد أن الإسلاميين أولهم، فثمن رفض الحلول المرحلية والصعود إلى أعلى الشجرة مكلف، ولا يكفي أن تتغير المعادلات الإقليمية في الجوار لتقطف الثمر في الأردن.
نعم؛ ما تزال الفرصة مواتية في الأردن للبحث عن أجندة زمنية توافقية للإصلاح بعيداً عن الحرائق في الإقليم، والشعارات التي لا تطعم خبزاً، ولا تصنع أمناً.
من أين نبدأ، وكيف نبدأ، وما هي الضمانات التي تريدها كل الأطراف للبدء بحوار منتج يؤسس لقانون انتخاب جديد، وبرلمان جديد، وحياة سياسية مختلفة؟!.
اللحظة الآن مناسبة، فالنظام محصن، والجميع متفقون على تعزيز قوته ومنعته، والإسلاميون أدركوا أن الأردن أفضل حاضنة لهم، والتيارات الأخرى لا مستقبل لها إلا بإعادة إنتاج الحياة السياسية على أساس المصالحة لا المغالبة!.
هل يمكن أن نتحرك الآن قبل فوات الأوان، ونلتقط هذه اللحظة فنخرج من مأزق الربيع العربي، وننجو، ونعيد صناعة أردن المستقبل، أم نظل نتلذذ بالفشل والنواح وتبادل الاتهامات، وكلنا نخسر، ونظل نراوح بذات المكان؟!.
هذه رسالة للإسلاميين بعد فوزهم، قبل أن تكون للنظام!.