الشرطة الجامعية ليست الحل

أخبار البلد - د. باسم الطويسي

تكاد التعديلات التي نالت قانون التعليم العالي الجديد تمر بدون نقاش جاد، فهي لم تحمل أي جديد لجهة الإصلاحات التشريعية الأساسية التي تم توافق حولها في أكثر من منتدى وملتقى وخطة إصلاحية من بينها الخطط الرسمية، بل جاءت التعديلات الجديدة بالتشريع لمنح الأمن الجامعي في الجامعات صفة الضابطة العدلية؛ أي تحويله إلى شرطة وتمكينه من صلاحيات التحقيق مع الطلبة وتوجيه الاتهامات وتحويل الطلبة إلى المحاكم بحجة الحد من العنف الجامعي.
يذهب هذا الاتجاه الى تأكيد فرضية أن المدخل الأمني هو المسيطر في البحث عن حلول لظاهرة العنف الجامعي، فبعدما زرعت الجامعات بالكاميرات لمراقبة كل شاردة وواردة، يأتي التعديل القانوني لمنح الأمن في الجامعات هذه الصفة، فيما يتناقض مع كل التزامات الأردن ونواياه الإصلاحية في الحد من التوسع في منح صفة الضابطة العدلية لكل من هبّ ودبّ.
المشكلة أن الأمن الجامعي، وعلى طول تاريخ العنف الطلابي، كان جزءا من المشكلة ولم يكن أبدا أداة للحل، فعلى المشرعين ومن دفع بهذا القانون مراجعة عينة من أحداث العنف منذ عشرة أعوام من زاوية دور الأمن الجامعي؛ بدون عناء سنجد أن الأمن الجامعي لم يكن عند مستوى المسؤولية، بل إن العديد منهم قد تورطوا في المشاكل وآخرين انقسموا حسب طبيعة المشكلة واستقطبتهم العشائرية، ومعظم الحلول والوثائق التي وضعت للحد من العنف الجامعي أكدت الحاجة إلى إصلاحات جذرية في هيكلة الأمن الجامعي وإعادة تدريب أفراده وحذرت من قصة الضابطة العدلية.
وعلاوة على أن منح صلاحيات الضابطة العدلية لفئة جديدة يعني الحد من الحريات العامة وزيادة عدد الجهات التي تمارس السلطة والقوة غير الجهات السيادية، وتحديدا في الجامعات التي يفترض أن تكون البيئة والمكان الأكثر أمانا والأكثر ضمانا للحريات، فإن هذه الصلاحيات تأتي لتضيف المزيد من التعقيد على مسألة العنف الطلابي، حتى لو افترضنا أن إدارات الجامعات ستأتي بأفراد الأمن الجامعي من محافظات ومناطق أخرى وهو الأمر الذي لن يحدث.
هل نسير في الاتجاه الخطأ، كان لدينا الكثير مما قيل ومما يجب أن يُفعَل في موضوع الحد من ظاهرة العنف الطلابي بعيدا عن الإسراف بالحلول الأمنية، لكن للأسف كل التطورات تشير إلى الاعتماد على الحلول الأمنية وحدها، والأخطر أن ما يحدث في الجامعات يجري بدون رقابة وسائل الإعلام ولا تنبه حقيقي من الرأي العام. لم تتم مراجعة سياسات القبول الجامعي ولا مراجعة حالة الضعف والاسترخاء في قيادات الصف الأول وطريقة تصعيدها، ولا في آلية تطبيق القوانين. وهنا للإنصاف تجب الإشارة إلى أن هناك عددا من العقوبات التي أصدرتها بعض الجامعات بحق المتسببين في افتعال العنف، وهناك جامعات لم تحرك ساكنا في هذا الملف. البعد الامني مطلوب في تطويق ظاهرة العنف ولكن بحكمة وبحسن تصرف، وضمن حزمة حلول متكاملة، ولكن ما يحدث اليوم هو تعطيل الحلول الإصلاحية والاكتفاء بالمعالجة الأمنية وتحويل الجامعات إلى ساحة للمحاكمات.
مرة أخرى وعاشرة، ما تزال الأصابع الرسمية تشير إلى المواقع الخاطئة في بحثها عن حلول لأزمة العنف الجامعي؛ من قبيل الحلول الأمنية في محاولة لتجنب المواجهة مع الخلل العميق الذي أصاب كفاءة المؤسسة التعليمية ومن يديرها.