في ضيافة آل قعوار

استضاف النائب السيد عاطف قعوار في بيته سهرة وطنية مميزة، شهدت حواراً واسعاً ومعمقاً، حول مجموعة من القضايا الوطنية مع مبادرة «زمزم»، حضرها عدد من الشخصيات الوطنية والبرلمانية وبعض الناشطين في المجال السياسي، وفي مجال الثقافة والأدب، وفي مجالات الاستثمار الاقتصادي المتعددة.
الندوة عكست حجم القلق الكبير الذي طرأ مؤخرا وبدأ ينمو ويكبر في نفوس شريحة وطنية مهمة، ولدى مكون اجتماعي أصيل من مكونات مجتمعنا الأردني ومجتمعاتنا العربية عامة؛ على امتداد الساحة العربية والإسلامية الواسعة، تتمثل بشريحة المواطنين المسيحيين على وجه الخصوص نتيجة قراءتهم للمشهد السياسي العربي وما طرأ عليه من تغيرات وما يحيط به من ظروف.
منذ مجيء الإسلام ومبعث النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم، نشأت حياة اجتماعية متميزة تجمع المسلمين والمسيحيين وغيرهم من أصحاب المعتقدات الأخرى، في إطار اجتماعي وثقافي واقتصادي وسياسي موّحد، لم تكن المعتقدات فيه عاملاً من عوامل الفرقة المجتمعية، بل كان المسيحيون على مدار التاريخ وما زالوا يشكلون جزءاً أصيلاً من الأمة العربية، وجزءاً من هويتها وحضارتها وإنجازاتها المادية والمعنوية.
لقد شعر المسيحيون الذين كانوا يقطنون المنطقة قبل مجيء الإسلام أن الدين الجديد قريب من ديانتهم، حيث ينظر بالاحترام والتقدير إلى (عيسى) عليه السلام وإلى أمه البتول، ووصفها القرآن بالقديسة، وشهد لها بالتميز والطهر والتفضيل على نساء العالمين هي وآسية امرآة فرعون، بالإضافة إلى خديجة وفاطمة، كما شعر المسيحيون العرب أنهم شركاء وليسواغرباء عن تعاليم هذا الدين وقيمه وما يدعو اليه من فضائل، وانها تعبّر عن فطرتهم و أصالتهم وعروبتهم وتراثهم الحقيقي، ولذلك وقفوا مع الجيوش العربية الفاتحة ضد الإمبرطورية الرومانية التي كانت تعتنق المسيحية، كما وقفوا مع جيوش صلاح الدين ضد الغزو الصليبي الذي يرفع شعار نصرة الصليب، لأنهم كانوا يعتقدون يقيناً أن هؤلاء الفرنجة غزاة ومستعمرين يتسترون بالدين والمسيحية لأغراض استعمارية مادية بحته.
لقد وقع في التاريخ الإسلامي نزاعات مسلحة بين فئات إسلامية تصارعت على الحكم والسلطة.

لكن لم يسجل التاريخ الإسلامي صراعاً مسلحاً بين المسلمين والمسيحيين العرب في الحقب التاريخية المتتابعة، إلاّ في بعض الحالات النادرة والاستثنائية التي لم تشكل ظاهرة على الإطلاق.
الحركة الإسلامية وعلى يد مؤسسها حسن البنا، جاءت منذ اليوم لتعلن أنها حركة إحياء ونهوض وبناء حضاري وثقافي شامل، وتم النظر الى الاخوة المسيحيين أنهم مواطنون شركاء في الغرم والغنم، وشركاء في حماية الوطن وبناء حضارته وثقافته، وإن أدبيات الحركة الإسلامية تخلو من أي ملمح عدائي أو اي إشارة سيئة لهذا المكون الاجتماعي الأصيل.
لقد ظهرفي اوقات متأخرة بعض الأشخاص الذي يجهلون هذه الحقيقة، وحملوا خطاباً مرفوضاً في هذا السياق، أدى إلى إيجاد فجوة أخذت طريقها نحو الاتساع والتمدد تحت تأثير بعض الاختراقات الخارجية، وبسبب عجز بعض القيادات عن معالجة هذا الشرخ الخطير والطارئ، ونتيجة لتقاعسهم عن إرسال خطاب ضروري لطمأنة فئات المجتمع الاخرى، في ظل ضعود نجم القوى الإسلامية الحديثة ابان الانتفاضات الشعبية الاخيرة.
نحن في مبادرة «زمزم» نود أن نسهم في إرساء خطاب إسلامي متنور وأصيل، يقوم على فكرة جوهرية تقول بأن الإسلام يمثل إطاراً حضارياً واسعاً للأمة ومرجعية قيمية سامية لكل المجتمع بكل مكوناته وشرائحه، ويتسع للتعددية السياسية والثقافية والدينية والمذهبية، وهويشكل عامل قوة ووحدة وتماسك للمجتمع، وأن الاخوة المسيحيين شركاء على قدم المساواة مع اخوانهم المسلمين بالحقوق والواجبات على الجملة.
ونحن في المبادرة ندعو بكل وضوح وصراحة إلى إيجاد الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التي تقوم على أساس المواطنة، وتستند إلى المرجعية الحضارية الإسلاميّة والهوية الثقافية العربية الأصيلة، التي ننتسب إليها جميعاً، وكل المواطنين شركاء في المسؤولية وشركاء في القرار وشركاء في البناء وادارة الدولة، وأن معيار الفرز للمسؤولية يعتمد مبدأ الكفاءة التي عبّر عنها القرآن: بالقوة والأمانة، « إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين»
وفي هذا السياق نوجه الدعوة إلى كل العقلاء والحكماء والكتاب والمفكرين، وكل أصحاب الاهتمام في مجتمعنا الأردني إلى مواصلة الحوار المسؤول من أجل حماية الوحدة الوطنية، وتمتين النسيج المجتمعي الواحد، ومقاومة كل النعرات التي تفرق المجتمع، ومن اجل السعي المشترك للقضاء على كل أشكال التمييز القائم على الدين أو العرق أو الفكر والمذهب وفقا لميثاق مجتمعي يحظى بالتوافق والاجماع.