الدكتور النسور .. والتصحر
لا أعرف لماذا لم تثر مداخلة رئيس الوزراء حول مواجهة التصحر قبل فترة وجيزة اهتمام أحد في هذا البلد مع إنها كانت برأيي المتواضع مداخلة ثرية تنم عن حكمة ووعي بأكبر خطر يتهدد تربة هذا الوطن الزراعية.
قال دولته ان في نيته توزيع الأراضي الشفا غورية الوعرة التي لا تصلح للزراعة على مزارعي الغور بأسعار رمزية ليتمكنوا من بناء بيوت عليها،للحد من إقامة المنازل على الأراضي الخصبة في الغور للمحافظة عليها لأغراض الزراعة. والغور هو سلة الأردن الغذائية، ولولاه لكان سعر الخضار والحمضيات والمنتوجات الزراعية أضعافا مضاعفة. وقال دولته: ان إقامة المنازل على الأرض الزراعية يقلل من مساحة هذه الأرض التي نأكل من خيراتها، ويقود الى تصحرها.
وفي الحقيقة، فان التصحرمشكلة كبيرة تتحدى مشاريع التنمية الزراعية التي أقيمت في الأردن.
لقد التهم البناء ويلتهم الأراضي الزراعية كل يوم. ومع النمو السكاني المتزايد صارت القرى والمدن تتمدد، وتنتفخ بشكل عشوائي، وتجد الأبناء يبنون منازلهم على الأراضي التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، مقلصين الرقعة الزراعية بعد ان كانت مصدر رزقهم. ولقد تفتتت الملكية الزراعية بعد رحيل هؤلاء الآباء عن هذه الدنيا، وتوزعت الى قطع صغيرة لا يزيد بعضها عن نصف دونم، أقيمت عليها المنازل الأسمنتية. ومع اقامة هذه المنازل، انتشرت الملوثات التي أتت بالحشرات تفتك بالمزروعات ، ما لم يجري رشها بالمبيدات- وضعفت مناعة الناس، وانتشرت أمراض الحساسية على نطاق واسع.
وها هي (الهيئة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا)-الأسكوا- تتحدث عن خسائر تقدر بخمسة مليار دولار سنويا في منطقة الشرق الأوسط جراء التصحر.
في قاعات الدراسة، ومساقات الإعلام التنموي التي نعلمها لطلبتنا، نتحدث عن هذه الآفة، آفة تصحر الأرض الطيبة التي عاش عليها آباؤنا وأجدادنا الذين بنوا الوطن وبذلوا النفيس والغالي لتعليم أبنائهم. ورغم اننا نُعّلم مخاطر التصحر، لكن دعوتنا كمعلمين تظل محدودة الأثر-لأسباب عدة. وها نحن نرى الأبناء، بعد ان شبوا عن الطوق، يدمرون الأرض، ربما بحسن نية، لكن بجهل واضح للمخاطر الناجمة عن التصحر.
لا أستطيع ان اكتم سعادتي بتصريح رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور، وأشد على يديه، فدعوته، حين تنفذ، ستكون بحد ذاتها مشروعا تنمويا كبيرا، وربما الأكبر، لأنه سيقي هذا الوطن من مخاطر مستقبلية، حين يتم وضع حد نهائي للمشكلة.
أدعو جميع الإعلاميين في هذا الوطن العزيز الى تبني المشروع، ومطالبة الحكومة والنواب باستنان القوانين التي تحول دون تفتت الأرض الزراعية أو تصحرها.