بيت آل سعود… ازمة خلافة ومأزق تحالفات
جاء القرار الملكي السعودي غير المسبوق بتعيين الامير مقرن بن عبد العزيز ‘وليا لولي العهد’ ليعيد فتح ملف الخلافة على رأس هذه ‘الملكية المطلقة’، وهو الذي طالما كان سببا في خلافات وصراعات خرج بعضها الى العلن، وبقي اغلبها وراء الابواب الموصدة.
وتقاطعت الازمة هذه المرة مع اختبار حقيقي يواجه التحالف التقليدي للمملكة مع الولايات المتحدة، وهو الـــذي طالما كان ‘شبكة الامان’ التي استمد منها النظام قدرته على الـــبقاء في مواجهات تحديات ضخمة، ادت الى انهيار او اخـــتفاء دول احيـــانا في المحيط الاقليمي، بدءا من غزو الكويت الى هجمات ‘القاعدة’، واخيرا الربيع العربي، واشتعال الحرب فيسورياواليمن.
واذا كان ثمة رابط بين ازمة الخلافة ومأزق التحالفات فيالسعودية، فهو ان كليهما يتعلق بوجود هكذا نظام، اصبح فريدا من نوعه من حيث تشبثه بتركيبة وممارسات لا تنتمي الى هذا العصر، بل ولا تشبه كثيرا من ابناء وبنات الشعب السعودي الذين اصبحوا اكثر انفتاحا على العالم، واظهروا تفوقا علميا وثقافيا ومهنيا في العديد من المجالات.
اما القرار الملكي فيحمل بين طياته الدليل على وجود الازمة، عندما يشير في نهايته الى انه ‘نافذ من وقت صدوره، ولا يجوز بأي حال من الاحوال تعديله او تبديله بأي صورة كانت من اي شخص كائنا من كان، او تسبيب او تأويل’. ما يعني ان هناك من يتربصون لتعديله وتبديله.
ان هذا القرار غير القابل للمس به وكأنه منزل من السماء، يجعل الاوامر الملكية وللمرة الاولى في ‘مرتبة مقدسة’، رغم ان الشريعة الاسلامية التي تقول السعودية انها تبني نظامها عليها تعتبر ان ‘كل شخص يأخذ من كلامه ويرد الا الرسول الكريم محمد بن عبدالله’.
فماذا لو ان الامير مقرن، وهو بشر يجتهد فيصيب ويخطئ، ارتكب ، لا سمح الله، من الاخطاء، او اصابه من المرض، لا قدر الله، ما يجعله غير مؤهل لتولي هذه الامانة، التي هي ليست مجرد منصب سياسي، بل ترتبط بخدمة الحرمين الشريفين، ما يجعل شخص من يحملها محل انظار مئات الملايين من المسلمين.
وما فائدة هيئة البيعة ان كان كل ملك سيقرر مسبقا من يتولى الامر من بعده، ثم من بعد بعده، بـ ‘فرمان غير قابل للتعديل’. وهل من علاقة لهذا النظام في الخلافة بالشريعة الاسلامية حقا، ام انه مجرد وسيلة لتأمين وصول العرش الى احد الابناء، وتحديدا الامير متعب المقرر ان يلي الامير مقرن بعد عمر طويل؟.
الواقع ان السؤال الصحيح الذي ينبغي طرحه الآن، هو الى متى يمكن ان يستمر هذا الوضع الهش في نظام شاخ على كراسي الحكم، مقاوما بالقمع كل رغبة شعبية صادقة في التحول الى ملكية دستورية تعتمد اصلاحات سياسية واقتصادية جذرية، تحترم الشريعة الاسلامية لكن تسمح بأن تلحق المملكة بركاب العصر، وتواجه ازمات البطالة والفقر والاسكان المتفاقمة، وتتيح الحد الادنى من الحقوق الاساسية للانسان؟
لقد اختلف الزمن وتبدلت المعطيات، ولم يعد ممكنا للرئيس الامريكي باراك اوباما، ان يزور العاهل السعودي لتطمينه على ‘صلابة التحالف التقليدي’، بينما يغض الطرف عن معاناة السعوديين من غياب حريات وحقوق اساسية ثم يطلع علينا محاضرا حول الحرية وحقوق الانسان.
وتبقى السعودية حليفا مهما بل واستراتيجيا دون شك للولايات المتحدة، الا انها لم تعد الحليف الاهم او الوحيد. حيث ان واشنطن لا تستطيع ان تتجاهل مصالحها مع دول مثلقطرالتي اعلنت، تزامنا مع زيارة اوباما، عن صفقات اسلحة جديدة مع شركات غربية، اغلبها امريكي وتقدر بنحو عشرين مليار دولار.
بل ان واشنطن، التي لا تعرف صديقا الا مصالحها، اضطرت للاعتراف بعدوها وعدو السعودية الرئيسي في الاقليم، ايايران، كدولة نووية وقوة اقليمية عظمى في اتفاق جنيف الذي صدم الرياض، واصاب العلاقات القديمة بشرخ قد لا تتعافى منه ابدا.
واصبحت الولايات المتحدة اقل اعتمادا على استيراد النفط، وتتجه الى الاكتفاء الذاتي. كما ان النفوذ الامريكي في المنطقة قد تقلص بوضوح بعد انسحابها منالعراق، وفشلها في تبني سياسة قوية او مقنعة في سوريا ومصر.
وهكذا فان احتياجها الى السعودية، للاسباب السابقة مجتمعة، قد تقلص، ولا يستطيع السعوديون ممارسة اي ضغط عليهم.
انها مشكلة وجودية بامتياز تلك التي يواجهها السعوديون، سواء من جهة قيادة تراجعت قدراتها لاسباب انسانية طبيعية او سياسية، او من جهة الولايات المتحدة التي رفضت ان تحارب ايران من اجلتل ابيب، وبالتالي لن تحاربها من اجل الرياض. كما اكتفت بالفرجة على نظام مبارك وهو يسقط تحت اقدام الثوار، وبالتالي لن تتدخل لانقاذ النظام السعودي الاشد قمعا ان هبت عليه رياح الربيع.
واخيرا وبالرغم من الحديث عن الاصلاحات، وهي ضرورية على اي حال، الا ان السؤال يبقى ان كان النظام يستطيع حقا ان يكون جزءا من الحل ان كان هو رأس المشكلة واساسها؟