عيون الحُب ... وعاشق في زمن كاسر !!.

عيون الحُب ... وعاشق في زمن كاسر ..!! .

يجلس هناك بعيداً عن شغب الناس ..! .. يجلس وحيداً يريد أن يختلي مع هواجيسه .. يحاذر أعين الرقباء ؟!! .. كأن لسان حاله يُردد مقولة " باسكال " : ( للقلب أسبابه التي لا يعلم عنها العقل شيئاً .. ) .

هو فقير المادة .. وفقير الحظ .. وفقير الوصال !! ... أجتمع الفقر عنده وقبض على تلابيبه كأنه يخنقه ..

يسكن في هاتيك الديار ، خلف ذاك الجبل الأشم ... يعمل والده مزارعاً ، يزرع ويحرث فقط من أجل تأمين الدراسة الجامعية لولده البكر ..!! .

يخرج هذا الشاب العاشق من بيته قاصداً جامعته البعيدة ، يخرج وهو بلباس عليه ملامح الفقر ... يمشي ويمشي ويمشي حتى يصل حافة الطريق الرئيسي ، كي يركب في أية سيارة ذاهبة نحو عمان ..

هو ليس من شباب الجامعات الذين يذهبون فقط للصياعة والمصاخة ، لا لا هو ليس كذلك .... هو لا يعرف حداثة التكنلوجيا والإتصالات !! . فهو لا يعرف هواتف ( الأيفون أو الجلاكسي ) .. ولا يعرف المواقع الإجتماعية كـ ( الفيس وتويتر والشات ) ..

هو شابٌ جاء للجامعة كي يدرس ويطلب العلم ، جاء للجامعة كي يرتاح والده من عناء العمل ... وإن دخل الجامعة ذهب يجلس وحيداً في زوايا الجامعة ، فليس معه نقوداً كافية كي يتمتع كباقي شباب الجامعة ويأكل بالكفتيريا ... فقط نقوده للذهاب والإياب لا غير ...

يجلس وحيداً ونظرات الشباب إليه ... يضحكون ويستهزئون .. ويشيرون بأنه من " الدقة القديمة !! " .. وهو يسمع تلك الأقوال ويدسها بقلبه ...

هذا الشاب ، وقع في العشق .. ليس ذاك العشق الذي نراه اليوم في الجامعات والمواقع الإلكترونية ... لا لا ؛ بل هو عشقاً عفيفاً أزكى من الماء الزلال ..

في دفاتر محاضراته ، تجد خربشاته البريئة على أول صفحة وآخر صفحة !! .. كتب في أول صفحة من دفتره :: ( تجري الرياح بما لا تشتهي السُفن ) !! ... وكتب في آخر صفحة من دفتر محاضراته : ( والله إني أحبك رغم كل الظروف ... رغم كل المتاعب والآسى والجراح !! ) ..

يجلس في محاضرته وعيونه إلى الدكتور ... إذا كلمته فتاة تسأله عن شيء يتعلق بالمادة ... يتلعثم ويرتبك ويحمر وجهه !! .. يخجل ويلف الحياء على عنقه .. لا يجيد مخاطبة الفتيات أبداً ...

تصفه الفتيات ـ الماصخات ـ بالتخلف ..!! .. لأنه لا يجيد الثرثرة مع النساء ...

هو عاشق .. لكنه لا يُخبر أي شخص عن معشوقته !! ... هي سر بين قلبه وصدره !! .. حاول بعض أصدقاءه معرفة من يعشق ؟؟! ... لكن بلا جدوى .... هو بئر لا قرار له ..

في أيام العطلة ... يخرج ومعه كتاباً ويصطحب نعجاتٌ عجاف لأبيه ، يسرح بها في تلك الجبال البعيدة !! ..

يجلس على قارعة جبل والأغنام من حوله ... وعيونه تناظر تلك القرية البعيدة !! .. لعلها قرية محبوبته ..

نحت على صخرة صماء بعض ما يُخفيه في صدره وكتب : ( أنا ضحيت له وراجي وصابر .... وإذا عيا أقول : الله يحله !! ) ..

عاشق يموت وعشقه في كفنه لا يعلم به أحد ..... ليس كعشق الشباب اليوم ، والذي هو كالسندويشة سريعة التحضير !! ... وإذا ملّ من عشقه .. ذهب ونشر الصور وأرقام هواتف من كان بالأمس يُحبها !! ... هذا العشق الكاذب والعشق الإباحي الذي هو فقط عشق الجسد والشهوة !! .

أما صاحبنا فهو عاشق في زمن كاسر ..

بقلم / يزيد أبوتايه