مسخ الانسان لعقوق الاوطان ..!

حكي ان جحا ذهب يوماً إلى السوق فاشترى حماراً موصوفأ ضخم الجثة عريض المنكبين كانه حصان ثم ربطه بحبلٍ حول عنقه وسحبهُ وراءه عائداُ إلى البيت ، وفي الطريق كمن له لصان ... قام احدهما بفك رباط الحمار ووضعه حول عنق نفسه وفرّ الاخر هارباً بالحمار في غفلةٍ من جحا . 

بعد فترة التفت جحا خلفه فتفاجأ باللص مربوطاً عوضاً عن الحمار فتعجب واقترب من اللص وقال له : ما الذي جاء بك إلى هنا ؟! واين حماري ؟! فقال اللص متظاهراً بالحزن : ياسيدي انا هو الحمار ... فازداد جحا عجباً ..! وقال : وكيف ذاك ؟! فقال اللص : هو امرُ الله ومشيئته يا سيدي ... لقد كنت عاقاً لوالدتي العجوز فدعت علي ساعة استجابة فمسخني الله حماراً .... والحمدُ لله ان رضيت عني والدتي فعدتُ آدمياً كما ترى ، فقال جحا : لا حول ولا قوة الا بالله ... وكيف لي ان استخدمك وانت آدمي ... اذهب فانت حرٌّّ طليق على ان لا تعود لعقوق امك مرةً اخرى. 
 
في اليوم التالي ذهب جحا إلى السوق فرأى حماره الذي اشتراهُ معروضاً للبيع فعرفه ! ... تقدّم من الحمار وجعل فمه قرب اذن الحمار وهمس فيها : الم اقل لك ايها المشؤوم ان لاتعود لعقوق امك ... اذهب لا ردّك الله .

لا شك ان عقوق الوالدين من كبائر الموبقات ولا شك ايضاً ان عقوق الاوطان من كبائرالاثم ومن مظاهر الافساد في الارض ... فسادٌ يتبخترُ فوق هذا التراب الغالي مزهواً بما اقترفهُ زوراً وبهتاناً من اموال ومقدرات هذا الوطن ... وفسادٌ يتربص بهذا البلد الدوائر متحيناً الفرص بين الفينة والاخرى لنشر الفوضى والجريمة وحرق المقدرات والمكتسبات وترويع الآمنين في الطرقات والمدارس والمساجد والجامعات ،وعلى ما يبدوا ان الفساد بنوعيه له اهداف ظاهرها مطالب ومكاسب... وباطنها أكمةٌ شاهقةٌ تنوخُ فوق فوهة بركان ووراءها ما وراءها ومن وراءها ...

فهل عسيتم ايها العاقون للوطن ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطّعوا ارحامكم وتهلكوا الحرث والنسل .... هل امنتم ان يدعوا عليكم الوطن ساعة استجابة .... ام هل آويتم إلى جبلٍ من اموالٍ وموجودات وعقاراتٍ اقترفتموها من هذا الوطن بالظلمٍ والجور والسطوة والاستغلال ظانين انها ستعصمكم من امرِ الله او تحميكم من سطوةِ للعدل او جولةٍ للحقّ هي آتيةٌ لا محالة في ساعةٍ يمتازُ فيها الخبيث من الطيّب ساعة تبيضُّ وجوهٌ وتسودُّ وجوه .... 
 
فاما اصحابُ الوجوهُ البيضاء فيعرفهم الوطن بسيماهم ... وجباههم المرفوعةً عزاً وفخاراً واعينهم التي ما نظرت يوماً الا إلى القدس توأماً لعمّان والسلط شقيقةً لنابلس والخليل اختاً للكرك ويميزهم التراب حول ضفتي الاردن الطاهر بايديهم النظيفة التي لم تقبض يوماً الا على جمر محبة هذا الثرى الغالي. 

واما من اسودّت وجوههم فستسلخُ عنها الاقنعة المزيفة وتسيلُ منها المساحيق والمستحضرات النتنة وستبدوا تلك الجيف مسخاً ... ذلك جزاء عقوق الوطن ... هذا على صورةِ قردٍ وذاك على صورة جرذ وآخرٌ على صورة غوول وغيره على صورةِ حوتٍ او تمساح :
ومن لم يمسخ كجحشٍ مسخ كغيرهِ ..... تعددت الاشكالُ والمسخُ واحدُ


صالح ابراهيم القلاب